نقلا عن العدد الورقى..
إذا سألنا كيف تجرأت النجمة يسرا فى مسلسلها «فوق مستوى الشبهات» وقدمت شخصية تقترب فى سلوكها من «الشيطان الرجيم»، نجد الإجابة فى عقلها، فالنجمة الكبيرة أثبتت أنها فى المرحلة العقلية من حياتها الفنية، تختار الأدوار بعقلها لا بقلبها، لذلك تقف فى بؤرة الضوء دائمًا، بل فى أهم مكان وسط نجمات جيلها على خريطة الفن المصرى.
يسرا فى المسلسل الذى يخرجه هانى خليفة، تحررت من كل سوابقها الفنية، هى ليست «خوشيار هانم» فى «سرايا عابدين»، أو «شربات» فى «شربات لوز»، أو «شريفة» فى «خاص جدا»، أو «دكتورة فاطمة» فى «بالشمع الأحمر»، أو «عبلة» فى «قضية رأى عام»، أو «أمينة» فى «يد أمينة»، أو «نادية أنزحة» فى «أحلام عادية»، أو «لقاء فؤاد» فى «لقاء على الهوا»، أو «ملك» فى «ملك روحى»، بل تقدم حالة مختلفة بجرأة لا مثيل لها، فشخصية دكتورة «رحمة» التى تجسدها فى المسلسل المعروض على أكثر من فضائية منها «أون تى فى»، معقدة ومركبة، انفعالاتها مكتومة، ونظراتها حادة «تخوف»، بها كل السلبيات والعُقد النفسية والأمراض المجتمعية «خيانة، حقد، غل، سوء نية، شكوك»، وكأنها تقدم صورة واقعية من كل الطبقات فى المجتمعات العربية.
فى أكثر من مشهد درامى، كشفت يسرا القبح الداخلى فى حياة الإنسان «طمعه، غله، حقده، غشه، خيانته» بأداء قاس ومحكم، كما لو كانت «شريرة» بالفعل، وتحولت الإنسانية بداخلها إلى شر كبير.
يسرا تقمصت الشخصية حتى التوحد معها على الشاشة، برعت فى تقديم صورة هذه الطبيبة التى كل ما فيها ينبض بالخبث والمكر والقبح والدهاء، ليس فيها شىء طيب رغم الشجن الذى يسكن عينيها المليئة بالحقد والكراهية لكل عباد الله.
بعض المشاهد ظهرت بها الفنانة الكبيرة وكأن بعضها يمزق بعضها «تأكل فى روحها»، حتى وصلت إلى الذروة فى التمثيل، منها مشهد يجمعها بوالدتها «عايدة» تجسدها القديرة ليلى عزالعرب، إذ رمقتها بنظرات غاضبة حادة، وتقول لها بعنف شديد: «الزبالة بتوعك عملوا فيا كده ليه، وأنتى بتعملى فيا كده ليه، ليه مش بتسمعى كلامى».. وفى ثانية واحدة تحولت هذه الطبيبة الشريرة إلى إنسانة تحس وتعقل، ولديها شعور «بعدما صعبت عليها دموع والدتها»، وملامح وجهها التى ظلت ترتعد خوفًا منها، لتعلن «رحمة» عن ندمها، وتجلس بجوار والدتها على «السرير» وتعتذر عما بدر منها، وتحتضنها برفق وشفقة على هذه المرأة العجوز التى تقدم بها العمر، وتقول لها بألم وندم: «معلش متزعليش منى إنى عليت صوتى عليكى.. والله العظيم هوديك لـ «مها»، شقيقتها، ثم تحتضنها بقوة»، وتتحول هذه الشيطانة إلى إنسانة ضعيفة فى حضن والدتها تبكيها وتستعطفها ألا تغضب، ويشاء القدر أن ترحل والدتها بين يديها دون أن تشعر.. فجأة تدرك أن والدتها توفيت، وبسرعة الصاروخ- فى المشهد الذى زاد على الـ5 دقائق على الشاشة- تتغير تعبيرات وجهها وتكتسى بالخوف والقلق، ولأول مرة يرى المشاهد القسوة تبكى، عندما أبلغها الطبيب بوفاة والدتها، لأول مرة تستشف الألم وتتأثر مثل «البنى آدمين العاديين».. الفنانة الكبيرة أجادت مفردات الشخصية «ملامحها، تعبيرات وجهها، خطواتها، قلقها النفسى، اضطرابها، قسوتها»، كل مشهد قدمته بصدق، وعرّت من خلاله واقعًا مأزومًا مليئًا بالأمراض النفسية والحقد والبغض تعيشه المجتمعات.
تمثيل يسرا فى «فوق مستوى الشبهات» دلل على أنها ممثلة غير عادية، ويثبت أنها نجمة محترفة تمتلك مفردات خاصة فى التمثيل.. تعرف متى تكون ملاكًا ومتى ترتدى ثياب الشيطان؟