من منا لم يهتز قلبه ويقشعر بدنه وهو يستمع إلى صوت الشيخ النقشبندى منشدا "مولاى إنى ببابك"، وقد لا يعرف البعض من أعمال كروان الإنشاد الدينى الشيخ النقشبندى سوى هذا اللحن الشهير.
تتعجب إذا عرفت قصة ميلاد هذا الابتهال، وكيف بدأ التعاون بين الملحن المبدع بليغ حمدى والشيخ سيد النقشبندى. ويحكى الإذاعى الراحل وجدى الحكيم قصة ميلاد هذا الابتهال الخالد الذى كان هو نفسه أحد صناعه، مؤكدا أن الفضل فى ميلاده وفى تعاون بليغ والنقشبندى هو الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى كان عاشقا للإنشاد الدينى ولصوت الشيخ النقشبندى.
وقال الحكيم: "فى عام 1972 كان السادات يحتفل بخطبة ابنته، وكان النقشبندى وبليغ حمدى ضمن الحضور، وكنت أنا حاضرا كمسؤول فى الإذاعة المصرية، فإذا بالسادات ينادى لبليغ ويقول له: عاوز أسمعك مع النقشبندى، واندهش بليغ الذى لم يتوقع أن يطلب منه السادات هذا الطلب."
ويقول وجدى الحكيم: "كلفنى السادات بمتابعة هذا التعاون وفتح استديو الإذاعة لهما." وتابع: "تحدثت مع النقشبندى وقال لى: مينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة"، حيث اعتاد النقشبندى الإنشاد دون موسيقى، وكان فى اعتقاد الشيخ أن اللحن يفسد حالة الخشوع التى تصاحب الابتهال".
وقال النقشبندى لوجدى الحكيم رافضا هذا التعاون: "على آخر الزمن يا وجدى هغنى؟، وطلب منه الاعتذار لبليغ" .وحكى وجدى الحكيم كيفية تعامله مع هذا الموقف ومحاولة إقناع الشيخ النقشبندى بالتعاون مع بليغ قائلا: "طلبت من النقشبندى أن يستمع إلى اللحن الذى أعده بليغ، واصطحبته إلى استديو الإذاعة، واتفقت معه على أن أتركه مع بليغ لمدة نصف ساعة ثم أعود، وأن تكون بيننا إشارة لا يفهمها غيرنا، أعرف من خلالها إن كانت ألحان بليغ أعجبت النقشبندى أم لا؟".
ويضحك الحكيم وهو يتذكر هذا الموقف قائلاً: "اتفقنا أن أدخل عليهما بعد نصف ساعة فإذا خلع النقشبندى عمامته، أعرف أن هذه إشارة لإعجابه بألحان بليغ، وإن وجدته يرتديها أعرف أنها لم تعجبه، وأتحجج بأن هناك عطلا فى الاستديو لإنهاء اللقاء، ونفكر بعدها فى كيفية الاعتذار لبليغ".
ويتذكر الحكيم هذه اللحظة قائلا: "دخلت ففوجئت بالنقشبندى وقد خلع العمامة والجبة والقفطان"، وقال لى: "يا وجدى بليغ ده جن".
ويضيف: "فى هذا اللقاء انتهى بليغ من تلحين مولاى إنى ببابك التى كانت بداية التعاون بين بليغ والنقشبندى، وبعدها أثمر تعاونهما عن أعمال وابتهالات عديدة هى: "أشرق المعصوم، أقول أمتى، أى سلوى وعزاء، أنغام الروح، رباه يا من أناجى، ربنا إنا جنودك، يا رب أنا أمة، يا ليلة فى الدهر، ليلة القدر، دار الأرقم، إخوة الحق، أيها الساهر، ذكرى بدر".
الأغرب من ذلك أن بليغ والنقشبندى انتهيا فى نفس اليوم من تلحين أغنية "مولاى" ومعها 5 ابتهالات أخرى ليكون حصيلة هذا اللقاء 6 ابتهالات دفعة واحدة، واختار بليغ حمدى كلمات هذه الابتهالات، وأعدها قبل هذا اللقاء بالاتفاق مع الشاعر عبد الفتاح مصطفى الذى كتب كلماتها، كما أن بليغ والنقشبندى لم يتقاضيا أى أجر عن ابتهال "مولاى"، الذى استمرت شهرته وتزايد عدد مستمعيه من جيل إلى جيل وسيبقى خالدا رغم رحيل صانعوه .