توافرت جميع عناصر النجاح لفيلم "من 30 سنة" وأولها السيناريو الجيد المحكم الحبكة الذى كتبه أيمن بهجت قمر، والذى كان حريصا فى صياغته على وضع "تحولات" أو ما يعرف بالـ"twist" ومع كل فترة زمنية من أحداث الفيلم سيجد المشاهد المفاجآت، كما جاءت نهاية الفيلم غير متوقعة بالمرة للمشاهدين وهذه جميعها عناصر ارتكز عليها كاتب السيناريو ومخرجه لصناعة فيلم يضع مشاهده مدة زمن الفيلم فى حالات مختلفة ما بين التفكير والجدل والانبهار وأحيانا الحزن والغضب وهذه على المستوى الشخصى هى السينما التى أحبها.
الفيلم يبدأ بسرد حكاية عائلة الطيب على لسان بطل الفيلم "عماد" أحمد السقا الذى يقوم بدور الراوى أيضا فيحكى بطريقة الفلاش باك كيفية تجميع جده لثروته ثم وفاته وتوزيع ثروته على أبنائه وبناته بالتساوى ثم يمر الزمن لنرى العائلة قد اختلفت أوضاعهم المادية فبعضهم اغتنى وزادت ثروته مثل عائلة صلاح عبد الله وأحمد فؤاد سليم ورجاء الجداوى وميرفت أمين بينما ظل أحمد السقا حفيد عائلة الطيب افقرها واتجه للأدب ولديه حلم الاديب الذى يراوده.
كل أفراد أسرة "عائلة الطيب" تفاجأ بعودة "عمر" شريف منير الذى رجع من سفره الأوروبى ويريد الاستقرار فى مصر بعد تكوينه ثروة ضخمة ويريد أن يوزعها على عائلته بالتساوى لأنه لا ينجب بعد زواج ثلاث مرات اكتشف بعدها أنه "عقيم" فيشعر أن تلك الثروة أصابتها اللعنة لأنه ورثها من رجل أعمال أوروبى كان يعمل لديه كان هو الآخر لا ينجب وظلت هذه الثروة تتنقل بين أشخاص دون أن يورثها نسلهم، لكن غرباء هم من يحصلون عليها، لذلك فهو كانت لديه الرغبة فى كسر هذا النحس وتغيير مسار الأموال بتوزيعها على عائلته قبل فى حياته، لكن بمجرد إعلانه عن توزيع ثروته يظهر له "مجذوب" ويبشره بأنه سوف يقتل تسعة قائلا له: "هتقتل تسعة" ويتكرر ظهور هذا الشخص له فى أماكن مختلفة وبالفعل تتحقق نبوءته وتتساقط أفراد العائلة مقتولين واحدا تلو الآخر.
الفيلم يتمتع بنوعية الإنتاج الضخم الذى ضمن خروجه فى صورة متكاملة العناصر فى أول تجارب المنتج وليد منصور الذى دخل سوق الإنتاج كما يقال "بتقله" وحرصه على تجميع هذا الكم من النجوم الكبار والصغار فى فيلم واحد وعودة البطولة الجماعية تحسب له كمنتج، وتؤكد أن البطولات الجماعية دائما تعطى ثراء للسينما، وتساعد على نجاح العمل إذا توافر لها السيناريو المناسب والإنتاج السخى.
نعود لسيناريو الفيلم مرة أخرى فسنجد أن السيناريست أيمن بهجت قمر وضع فى الفيلم أكثر من "twist" ليضفى على المشاهد حالة من الذهول والترقب والمفاجآت فبعد مقتل أفراد عائلة الطيب بالكامل باستثناء "عماد" أحمد السقا نجده يهرب من مصيره المحتوم بالقتل فيسافر للخارج لكنه يعود ليتفاجأ بزواج "عمر" شريف منير من حنان البغدادى "منى ذكى" الشاعرة السكندرية التى عرفها عليه وكان يحبها لكنها رفضته وفضلت عليه "عمر" شريف منير، وهذا يجعله يكشف خيوط اللعبة لمنى ذكى وللمشاهدين، التى تتلخص فى كون "عمر" قد اتفق مع ذلك الرجل المجذوب على ما يقوله له ومقابلته له حتى يبرر تخطيطه فى التخلص من أفراد عائلته ليرثهم وكشف لها أن "عمر" لم يرث أموالا طائلة، وأن فترة غيابه كان قد قضاها فى السجن ويدون ذلك كله بتفاصيل تخطيطه لقتل 8 أفراد من عائلته من خلال روايته التى اختار لها اسم "هتقتل 9" ووضع داخل ملف الرواية صورا تؤكد اتفاقه مع المجذوب "محمود البزاوى" على قتل أفراد عائلته ويطلب عماد "أحمد السقا" من "حنان البغدادى" ألا تخبر شريف منير بكشف خيوط لعبته وجرائمه لكنها لا تستجيب له فتذهب اليه وتضع الرواية بين يديه فيدخل عليه المجذوب ليقتله ويتبادلا إطلاق النار ليموتا معا.
بعد مقتل "عمر" يتزوج "عماد" أحمد السقا من حنان البغدادى لكن المفاجأة قبل الأخيرة فى الفيلم يضعها السينارست أيمن بهجت قمر من خلال حنان التى تكتشف عن طريق الهاتف الخاص بزوجها المقتول عمر أن مكالمات هاتفية بينه وبين "عماد" تكشف تعاونهما فى كل الجرائم وتضع حنان "السم" لعماد فى كأس الشمبانيا الأخير له ليعترف لها بمشاركته لعمر فى القتل من أجل الميراث لكنه يبرر لها ما فعلاه بأنه جاء نتيجة ظلم عائلة الطيب وسرقتها لثروات عائلتى عمر وعماد، لذلك قرر الانتقام وتأتى المفاجأة الأخيرة من منى ذكى لتكشف لعماد أن ما وضعته له ليس "سما" لكنه منوم وأن البوليس كان على علم بكل التفاصيل واستمع لاعترافه لينال الاعدام وتتمتع منى ذكى "حنان البغدادى" بثروة المجرمين عمر وعماد لأنها الوريثة الشرعية لتلك الثروة الملعونة.
تقدم الفنانة منى ذكى فى العمل أحد أهم أدوارها فبعد تألقها فى رمضان فى مسلسل "أفراح القبة" والإشادات التى نالتها من قبل النقاد تجسد منى فى الفيلم شخصية "حنان البغدادى" الشاعرة المفلسة التى تأتى من الإسكندرية للقاهرة من أجل البحث عن الشهرة لكنها يواجهها صاحب دور النشر المتحرش وقد وضعت الفنانة الذكية تفاصيل الشخصية شكلا وموضوعا ومنحتها واقعية شديدة ويكاد المشاهد أن يشعر بأنه قابل تلك الشخصية من قبل فى معرض الكتاب أو فى ندوة شعرية بروحها المرحة وشعرها "الحلمنتيشى"، خاصة فى القصائد التى تلقيها ومنها قصيدة "معونتش" وحتى "اللزمة" التى تستعين بها "كل الشكر" كانت موفقة جدا فيها وطبيعية وتكرارها كان يثير الضحك وتعد منى ذكى فاكهة الفيلم بما تتعرض له من مواقف كوميدية وبما رسمته للشخصية الفكاهية التى تتحول فى نهاية الفيلم لمحور مهم ومحرك للأحداث.
جميع المشاركين فى الفيلم من ممثلين كانوا على مستوى واحد من الإجادة فالنجمة ميرفت أمين تتمتع فى الفيلم بروح مرحة جدا وتقدم شخصية الثرية المتصابية التى تتحول شخصيتها بعد وفاة ابنها أول المقتولين فى التسعة، وأيضا سنجد الفنانة رجاء الجداوى تقدم الشخصية بروح مرحة ومشاهدها مع الفنان سليمان عيد كانت مصدر اضحاك للمشاهدين فى صالات العرض.
أما الفنان شريف منير فيقدم الشخصية كما قال الكتاب ولا تشك فيه مطلقا بأنه وراء مقتل جميع أفراد عائلته، كما أنه أضفى على الشخصية الروح المرحة المحبة لكل من حولها ولذلك فبرغم تقديمه للشر إلا أنك تحبه داخل الفيلم وتنتظر المشاهد التى يظهر فيها ونفس الأمر للفنان أحمد السقا راوى الأحداث الذى اختار لنفسه شكل ومضمون الشخصية وقدم شخصية الأديب الباحث عن التواجد والشهرة والانتشار وجاء المشهد الأخير له الذى يعترف لمنى ذكى فيه بمبررات مشاركته فى الجرائم من أفضل المشاهد تمثيليا وصدقا فى المشاعر.
المخرج عمرو عرفة كانت لديه دقة وتوفيق فى اختيار أبطال الفيلم فجميعهم مناسبون فى أدوارهم وجميعهم يتمتعون بموهبة خاصة وعودة موفقة للنجمة اللبنانية نور وأيضا هناك جميلة عوض فى شخصية جديدة عليها ومحمد مهران، الذى عبر عن أزمته النفسية ببراعة وحتى صلاح عبد الله وأحمد فؤاد سليم كانا برغم قلة مشاهدهما فى أدوار مناسبة واستطاع عمرو عرفة مخرج الفيلم أن يصنع فيلما مشوقا وظف فيه كل أدواته كمخرج من الإضاءة وزوايا التصوير والكادر السينمائى والتكوين وحركة الكاميرا بتناغم وتكامل ليخرج لنا الشريط السينمائى فى النهاية مبهرا، خاصة أنه يتعامل مع موضوع به قدرا من الفلسفة والواقعية ففكرة القضاء والقدر والمقدر والمكتوب وربطها بالموت والثروة الملعونة كانت مصدر تفكير للمشاهد لكنه فى النهاية مع تكشف الحقائق يكتشف حقيقة هذه الطبقة الاجتماعية الغنية المخوخة من الداخل التى تنتشر فيها المخدرات والخيانات ولا يتعاطف معها على عكس عائلة الشاعرة "حنان البغدادى" التى ورثت الثروة فهى على طبيعتها وتتمتع بالأصول وتحافظ على تقاليدها وتسير بمبدأ الرازق هو الله ولا تغير مبادئها من أجل الفلوس فالفيلم صنعه كاتبه ومخرجه مستخدما كل القدرات الذهنية والتخيلية والفنية وقد نجحا فى ذلك.