يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لمن اعتاد حضور مهرجان قرطاج العريق، على مدار دوراته السابقة منذ أن أسسه السينمائى المخضرم الطاهر شريعة فى عام 1966، عمن يحضره للمرة الأولى مثلي، ذلك لأن العين الجديدة ستكون مليئة بشغف خاص بالتفاصيل، وستكون أولى الملاحظات هو مشهد الجمهور التونسى المحب للسينما بكل ألوانها: الروائية الطويلة، والقصيرة، والتسجيلية، جمهور يتميز بملامح خاصة، قادر على إبهارك بطوابير ممتدة، وقاعات سينما ممتلئة عن آخرها، ومنذ العرض الأول ترفع شعار كامل العدد.
مهرجان قرطاج الذى قدم مبدعى السينما التونسية، الشباب منهم والمخضرمين أمثال ناصر خمير، بجوار الشاب، من خلال ثمانية أفلام قصيرة تحت عنوان «احكى لى على أيام قرطاج» والتى يحتفلون بها بـ٥٠ سنة على انطلاق المهرجان الأقدم، حيث تحكى قصصا ووجهات نظر مختلفة عن علاقاتهم بقرطاج، كل مبدع يحتفظ بذكرى هنا، أو حكاية تستحق أن تروى فى دقائق معدودة، ومنها فيلم للمخرج مهدى برصاوى ويدور فى إطار كوميدى حول امرأة تهدد سائق تاكسى وراكبة معه، ويرصد مهدى، بخفة شديدة حالة الرعب التى تسيطر على السائق والراكبة من تلك المحتالة التى تهددهما بمسدس، وتطلب شنطة الراكبة، ويفاجئ سائق التاكسى أنها تطالبه بالتوقف عند سينما الكوليزى_ واحدة من أقدم السينمات التونسية _ وبعد نزول المحتالة ينظر السائق فى الخلف ليكتشف أن المسدس «لعبة» وأنها تركت حقيبة الزبونة والتى تكتشف أن كل ما أخذته المحتالة هو دعوات السينما، أما المخرج كامل لعرضى فيتناول وجهة نظر مخرج شاب يستعد لعرض أولى تجاربه السينمائية فى أيام قرطاج وقبل العرض مباشرة يكتشف وجود خطأ فى النسخة وضياع التتر.
ومن أذكى الأفلام القصيرة التى عرضت ضمن هذه المجموعة وأكثرهم طرافة وسخرية فيلم المخرج وسام التليلى والذى يرصد نماذج مختلفة لشخصيات من مرتادى إحدى دور العرض فى أيام قرطاج السينمائية هناك بسام عاشق السينما والذى يكتشف أن الفيلم يعرض بالمقلوب، والناقد ورد الذى ينام خلال العرض، والرجل الذى لا هم له سوى «قزقزة اللب» ورمى القشر على قفا من يجلس أمامه، والرجل الذى يصطحب صديقته ولا يكفان عن تبادل القبلات وممارسة الجنس، وأيضًا الفتاة التى تصطاد زبائنها من رواد السينما، الكل مشغول بما يفعل فيما عدا بسام الذى يراقب ما يحدث حوله غير مصدق، ويصر على أن يصعد إلى كابينة العرض ليخبر الموظف المسؤول بأن هناك خطأ فى شريط العرض، وفى مشهد شديد السخرية ويفجر الضحك نجد أن الموظف يقابل هذا المتفرج الواعى بالأحضان.. وهو الفيلم الذى رغم سخريته الشديدة إلا أنه يقدر فن السينما، وهى الحالة العامة التى تميز المهرجان التقدير والشغف بالسينما.