من الثابت تاريخيا أن الشخصيات التى صاغها أديبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ فى رواياته، وخرجت على شاشة السينما، صنعت النجومية والتخليد لكل من جسد دورا فى رواية من رواياته.
نجيب محفوظ أصبح بعدها نجما كبيرا فيعد صانعا للنجوم برواياته العظيمة فعندما تقرأ رواية " زقاق المدق " وأبعاد شخصية "حميدة " من المؤكد أنك سيتداعى إلى ذهنك الفنانة شادية، ولو قرأت رواية " اللص والكلاب " فسيكون شكرى سرحان فى شخصية " سعيد مهران " حاضرا فى ذهنك دائما، وفى رواية " بين القصرين " وقراءة تفاصيل شخصية أحمد عبد الجواد لن تخرج إلا صورة يحيى شاهين فى الفيلم أو محمود مرسى فى المسلسل من ذاكرتك، وبعض الأدوار فى أدب نجيب محفوظ كانت جواز سفرهم إلى عالم السينما أو تأكيد نجوميتهم فيها ومن هؤلاء الفنانة سناء جميل فى دور " نفيسة " فى فيلم " بداية ونهاية " وفريد شوقى فى دور «حسن أبوالروس» والفنانين عزت العلايلى، وسميرصبرى، وتيسير فهمى الذين شاركوا فى بطولة أحد أفلامه.
نجيب محفوظ نفسه والمتأمل فى أدبه قبل دخوله عالم كتابة السيناريو، سيجده مختلفا عن مرحلة ما بعد دخول السينما ككاتب، فتقنيات السينما لم تكن موجودة فى روايات محفوظ قبل كتابته للسيناريو، ولكن بعد ذلك أصبحت كتاباته بها إلمام بأدوات الحرفة، وأصبح أكثر قدرة بمعرفة ماذا تريد الكاميرا، وكاشفا للأزمنة بشكل أكبر، وظهر هذا فى سهولة تحويل رواياته إلى أعمال سينمائية، ويؤكد الناقد الكبير كمال رمزى إن فقرة واحدة أو جملة قصيرة تضىء عند الممثل العالم الداخلى للشخصية التى سيؤديها وتجعل الممثل يتفهم الأبعاد النفسية للنموذج البشرى الذى سيعبر عنه وليست مصادفة أن يصل الكثير من الفنانين إلى أفضل مستوياتهم حين تسند لهم أدوار أبطال روايات نجيب محفوظ سواء الرئيسية أو الثانوية.
ويروى عن الفنان شكرى سرحان أنه عندما رشحه كمال الشيخ للبطولة وقبل كتابة السيناريو لتجسيد شخصية "سعيد مهران "ذهب إلى المكتبة واشترى الرواية وأثناء عودته إلى البيت طالع صفحاتها الأولى فاتصل بكمال الشيخ ليخطره بحماسه وبشغفه للقيام بالدور وعندما استفسر المخرج عن سر موافقته السريعة قبل أن يكمل الرواية أجابه شكرى سرحان أن جملة «آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق» جعلت الشخصية، بأغوارها تترآى أمامه وأدرك أن بطل الفيلم الذى غادر السجن توا «خرج وفى جوفه نار» وطوال الفيلـم حافظ شكرى سرحان على جذوة النار التى تعتمل بداخله سواء فى صمته حيث يبدو وجهه مفعما برغبة حارقة فى الثأر أو فى أحاديثه حين تخرج الكلمات من فمه حتى بصوت منخفض وكأنها طلقات مسدس مكتوم الصوت.
الفنانة شادية قدمت الكثير من الشخصيات في سينما نجيب محفوظ فالأولى هي حميدة فى «زقاق المدق» لحسن الإمام 1963 وكريمة فى «الطريق» لحسام الدين مصطفى 1964 وزهرة فى «ميرامار» لكمال الشيخ 1969 واختلفت العظيمة شادية في كل شخصية ونهلت من تصوير محفوظ للشخصية وأضافت عليها ففي «زقاق المدق» كانت الدلوعة التي تمضغ اللادن وتتمايل فى مشيتها وتخرج الكلمات من فمها بميوعة مصطنعة وتغنى فى الكباريه أيام الاحتلال أغنيات تسخر من الإنجليز، وحققت شادية نجاحها حين قدمت «كريمة» فى «الطريق» ولم تلجأ للإغراء السهل ولكنها ذهبت للأصعب وهو إثارة الغرائز كما رسم أديبنا الكبير الشخصية في روايته فقد كان العالمي نجيب محفوظ لديه قدرة لوضع ما بداخل الشخصية من انفعالات على الورق من خلال جملة أو حتى كلمة.
تنوعت، بل تضاربت نماذج النساء، التى جسدتها شادية اعتمادا على روايات نجيب محفوظ» من «نور» في «اللص والكلاب»، إذ تبدو وكأنها الرحمة تسير على قدمين و«حميدة» «زقاق المدق»، المتمردة على «زقاق المدق» حسب تعبيرها ثم الفتنة المدمرة فى «الطريق»، وأخيرا «زهرة» «ميرامار» وهى شخصية ثرية بالمعانى والدلالات وفى النهاية سنجد أن الفنانة شادية بفضل نجيب محفوظ تألقت فنيا فى أدائها بسينما نجيب محفوظ .
امتدت عطايا نجيب محفوظ لآخرين من الفنانين والفنانات الذين ظهروا في سينما نجيب محفوظ فالنجم الكبير الراحل نور الشريف كان له حظ من سينما نجيب محفوظ ولعلها هي المصادفة السعيدة التي جعلت أولى أعمال نور الشريف في عالم السينما عمل من أشهر أعمال محفوظ هو الجزء الثاني من الثلاثية بعد أن وافق المخرج حسن الإمام على منحه دور "كمال عبدالجواد" في فيلم "قصر الشوق" ليُعرض الفيلم عام 1967، وهو أيضا الذي قدم نفس الشخصية، في الجزء الثالث من الفيلم، الذي تراجعت فيه كل الأدوار ليتقدم نور ويصبح "كمال" بطل "السكرية".
وبعد ثلاث سنوات من "قصر الشوق" وتحديدا في عام 1970، جاء لقائه الثاني مع شخصيات نجيب محفوظ من خلال رواية "السراب" والتي تحولت لفيلم حمل نفس الاسم لينتقل من كمال إلى كامل ذلك الشاب الثري الخجول الذي تؤدي تربيته الناعمة في حضن أمه، إلى ضعف شخصيته وفشله في التعليم وفي الزواج.
ونتذكر هنا أيضا من شخصياته التي قدمها شخصية " شطا " في فيلم " الشيطان يعظ " الذي يبعده الحب عن حلم الفتونة وقدم الراحل أيضا شخصيات "عاشور الناجي" و "سماحة بكر الناجي" و و"زعتر النوري" و "جعفر" وهي بعض شخصيات نجيب محفوظ التي بث فيها نور الشريف الروح وبرع في تجسيدها على شاشة السينما والتليفزيون، ونقف هنا أيضا عند شخصية إسماعيل الشيخ في فيلم " الكرنك " أحد أهم الشخصيات التي قدمها نور الشريف ويستعرض من خلالها مساوئ الحقبة الناصرية وشارك في هذا الفيلم إلى جواره عدد كبير من النجوم من بينهم فريد شوقي، تحية كاريوكا، سعاد حسني، كمال الشناوي، عماد حمدي، شويكار، وأخرجه علي بدرخان.
نور الشريف قدم أيضا رواية " قلب الليل " فيلما سينمائيا بنفس الاسم مع المخرج عاطف الطيب وهو عمل سينمائي يحمل أفكارا فلسفية تأملية وقدم أيضا " أهل القمة" الذي انتقد فيه مساوئ الانفتاح الاقتصادي في عصر الرئيس الراحل أنور السادات والذى شارك فيه إلى جوار منافسه في تجسيد شخصيات نجيب محفوظ في أعمال فنية الفنان عزت العلايلي.