هو واحد من أبرز الفنانين على الساحة السورية والعربية على حد سواء، نجح فى حفر اسمه فى قلوب عاشقيه ممن رأوا فيه مصدرا للإمتاع بالتجسيد العبقرى لعدد من الشخصيات سواء من خلال أفلامه السينمائية أوأعماله المسرحية ، فقد عرّف بخفة ظله ، ونجح فى أسر قلوب مشاهديه بمفرداته البسيطة وأدواره الواقعية الهادفة التى نجح خلالها فى تجسيد الواقع الذى يعيشه الناس بحرفية عالية شهد عليها القاصى والدانى حتى أكثر المختلفين معه سياسيا، إنه الفنان السورى "دريد لحام"، والذى تحل اليوم بعيد ميلاده الـ83.
ولد دريد محمد حسن اللحام، ولد فى دمشق بسوريا، يوم 31 يناير سنة 1934، لأب سورى وأم لبنانية، وعرّف منذ صغره بحبه الكبير للتمثيل والرقص، وكان يشترك فى الفرق المسرحية عى مسرح المدرسة ثم الجامعة، حتى حصل سنة 1950 على إجازة فى العلوم الكيميائية من جامعة دمشق، ليعمل مدرسا فى بلدة صلخد جنوب سوريا حتى عام 1959، ثم محاضرا فى جامعة دمشق إلى أن انتقل للعمل فى التليفزيون سنة 1960.
بدأ دريد لحام مسيرته الفنية من خلال التلفزيون سنة 1960، بعد أن اكتشفه الدكتور صباح قبانى مدير التلفزيون السورى آنذاك، ودعاه للمشاركة بالتليفزيون من خلال تمثيل عددا من الأدوار، ليتجه بعد ذلك إلى المسرح ليبدع فى تجسيد شخصية "غوار الطوشة"، الذى قدم فيه الشخص السورى العادى الذى يكافح من أجل لقمة العيش، والتى أحبها الجمهور، ليقدمها دريد فى معظم أعماله الفنية بالمسرح والتليفزيون.
وللمسرح فى حياة دريد لحام، مكانة مميزة يشهد عليها مشواره الناجح، الذى شهد على جزء كبير من إبداعه الفني، عبر تقديم عددا كبير من أعماله المسرحية التى أمتع من خلالها العالم العربى وأثر من خلالها فى وجدانه، والتى استمر عرض بعضها لأكثر من 9 سنوات، مع إقبال جماهيرى واسع على مشاهدتها، إلا أن مسرحية "كاسك يا وطن"، كان لها مكانة خاصة فى قلوب محبيه، فهى التى وصفّت بأنها عودة لإيقاظ المواطن العربى من ثبات عميق.
ولم يتوقف عطاء دريد لحام الفنى على إبداعه على خشبة المسرح فقط، بل نجح لحام فى الاحتفاظ بحب جمهوره على شاشة التليفزيون بتقديم عددا من المسلسلات التليفزيونية وصلت لنحو 26 مسلسلا، أبرز تلك الأعمال التليفزيونية "أيام الولدنة"، و"حمام الهنا"، و"صح النوم"، و"ملح وسكر"، و"سنعود بعد قليل"، و"الأحلام"، وغيرها من الأعمال الدرامية الهامة على شاشة التليفزيون السورى.
أما السينما فلم تقل مكانة فى وجدان دريد لحام والذى وهبها عددا كبير من سنوات عمره، فمثل أنتج عددا من الأفلام الهامة وصل لأكثر من 33 فيلما سينمائيا، أهمها "فندق الأحلام"، "امبراطورية غوار"، و"لقاء فى تدمر"، و"خياط السيدات"، و"زوجتى من الهيبيز"، و"غرام فى اسطنبول"، وفيلم "الآباء الصغار"، والذى شاركت فى بطولته النجمة المصرية حنان ترك، وأدى خلاله دريد عددا من الاسكتشات الفنية والاستعراضية.
ويعد دريد لحام رمزا للتنوع الفنى العبقرى، فجمع لحام بين الإبداع فى التمثيل والموهبة فى الغناء والمقدرة على تشكيل اسكتشات فنية ممتعة سواء على خشبة المسرح أو على الشاشة الفضية أو على صعيد دراما التليفزيون، أبرز تلك الاسكتشات الفنية، أداؤه لأغنية "يامو" على خشبة المسرح، وغيرها الكثير من المنولوجات التى نجح لحام فى كتابتها وغنائها ومن بينها "سلامات"، و"طير الوروار"، و"بكتب اسمك يا بلادى"، و"عيد الكذب"، وغيرها.
ونال دريد لحام خلال مشواره الفنى عددا كبيرا من الجوائز والأوسمة سواء من موطنه سوريا أو غيرها من البلدان العربية، تقديرا لما قدمه خلال هذا المشوار الحافل بالعطاء، فحصل على وسام الكواكب الأردنى، ووسام الاستحقاق التونسى عام 1979، ووسام الاستحقاق والتميز السورى من الدرجة الأولى عام 1976، بالإضافة إلى وسام الاستحقاق الليبى عام 1991، ووسام الاستحقاق اللبنانى عام 2000، وجائزة أودونيا عن مسيرة حياته سنة 2009، وشهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية ببيروت عام 2010.
وعن البرامج التليفزيونية فقد قدّم دريد لحام عددا من البرامج، من بينها "على مسئوليتى"، "عالم دريد"، "دريد هذا المساء"، و"هل الهلال"، والذى نال عنه جائزة الأداء المتميز عام 2007 من المهرجان العربى للإذاعة والتليفزيون.
وشغل لحام خلال سنوات حياته عددا من المناصب الرفيعة، فشغل منصب أول مدير لمهرجان دمشق للفنون المسرحية، عام 1969، ومنصب سفير النوايا الحسنة لليونيسيف بسوريا سنة 1997 لكنه استقال من منصبه بسبب الحرب على لبنان، ليعين بعدها سفيرا للنوايا الحسنة لليونيسيف فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنة 1999، بالإضافة إلى عمله كمدير لمهرجان الأغنية السورية لعدة دورات.
قد نختلف أن نتفق مع آراء دريد لحام السياسية كيفما نشاء إلى أننا لا يمكن أن نختلف أو ننتقص من عبقرية دريد الإبداعية فى التجسيد، وخفة الظل، وإلمامه بكل أدوات الفنان المبدع الذى نجح فى ترسيخ اسمه على مدى نصف قرن من الزمان، كأحد أهم علامات الفن العربى، وأن يرسخ بصمته فى ذاكرة هذا الفن، ليصبح عن جدارة أيقونة للإبداع والتجسيد لحال المواطن العربى فى شتى بقاع المنطقة.