"أغني لنفسي، وقد أفتح عيني وأنظر للجمهور، ولكنني لا أراه ، أتصور المكان وليس فيه أحد سواي، لا أسمع أصوات التصفيق، ولا صيحات الاستحسان، فاذا كررت مقطعا فإنما أكرره لأنني أريد ذلك، لا لأن صوتا ارتفع يقول لي :"كمان"، في مثل هذه اللحظات أغني وأنا أحلم، فاذا قلت "سافر حبيبي"، فانني اتخيل أن لي حبيبا، وأنه أسلمني للألم والعذاب"...
تلك كانت كلمات "الست" في وصف مشاعرها وما يتجلى في تفكيرها في لحظات النشوة الغنائية على خشبة المسرح كل أول شهر، لتشدو كلمات أغانيها العذبة التي ما انفك كل منا عن الانصات لها عندما نعيش حالة العشق فنهيم معها، على "ابتديت دلوقت بس احب عمري ابتديت دلوقت اخاف لا العمر يجري"، وعندما نتلهف على لقاء الحبيب على "أغدا ألقاك ياخوف فؤادي من غدي يالا شوقي واحتراقي من لقاء الموعد"، وعندما تكوينا نار الفراق فنبكى على أطلاله، على "يا فؤادي لا تسل أين الهوى كان صرحا من خيال فهوى"، وحتى عندما نخاف على الوطن في لحظاته الصعبة نسمع تغريدها وهي تشدو "أنا ان قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي" في رائعة "مصر تتحدث عن نفسها"، انها الاسطورة التي لم ولن تتكرر، عظيمة الأثر، كوكب الشرق، الست أم كلثوم.
بداية دخولها عالم الفن
ولدت فاطمة ابراهيم البلتاجي الشهيرة بـ"أم كلثوم"، في يوم 31 ديسمبر 1989، في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية، وكان والدها الشيخ ابراهيم البلتاجي مؤذن القرية، يشتهر بنقاء صوته وإجادته للإنشاد الديني، ليعمل مع ابنه خالد وابنته أم كلثوم في إحياء حفلات الانشاد الديني بقريته والقرى المجاورة لها، لتصبح بعدها أم كلثوم مصدر الدخل لعائلاتها مع تقدم سن والدها وعدم قدرته على أداء الابتهالات.
وفي عام 1916، تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد، والذين أتيا إلى السنبلاوين، لإحياء ليالي رمضان، وكانت تلك المعرفة بمثابة الخطوة الأولى لأم كلثوم في عالم الفن، بعد أن سمعاها ليقومان بعدها بعدة محاولات لإقناع والدها بالسفر الى القاهرة، ليقتنع الأخير بعد إلحاح شديد، لتحيي أم كلثوم ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن باشا، لتعطيها سيدة القصر خاتما ذهبيا وتتقاضى عن تلك الليلة مبلغ 3 جنيهات.
وفي عام 1921، استقرت أم كلثوم مع عائلتها بشكل نهائي، لتغني في حفل ضم علية القوم وأشهر نجوم الفن حينها أبرزهم منيرة المهدية التي كانت تلقب بـ"السلطانة"، سنة 1923، لتغني بعدها بعام أغنية "الصب تفضحه عيونه"، ليشاهدها أحمد رامي، ويذوب في صوتها عشقا، لكن البداية الحقيقية كانت عندما التقت بمحمد القصبجي الملحن لمعظم أغانيها بعد ذلك.
تأسيس فرقة موسيقية خاصة بها
في نفس الفترة وعقب لقائها بالعملاقين أحمد رامي ومحمد القصبجي، بدأ القصبجي في تشكيل فرقة فنية خاصة بأم كلثوم بدلا من طاقم المعممين الذين كانو يساندونها عند الإنشاد أداء الابتهالات الدينية، بعد أن شنت روزاليوسف والمسرح هجوما على طاقم المعممين، وهو ما كان سببا في انسحاب شقيقها خالد عن تقديم الابتهال الديني بجانبها، لتخلع أم كلثوم العقال والعباءة وترتدي ملابس الموضة كغيرها من فتيات المحروسة، وتؤدي قصيدة "أراك عصي الدمع".
وتقدم بعدها منولوج "ان كنت أسامح وأنسى الأسية"، والذي حقق أعلى المبيعات في حينها.
قالت لنفسها "الله يا أم كلثوم" بعد حفلة الملك فاروق
تقول أم كلثوم في مقاله من خط يدها نشرت لها بجريدة أخبار اليوم، "هناك ليلة في عمري لا أنساها، تختلف عن كل ليالي حياتي، ليلة أن غنيت في النادي الأهلي، وكانت ليلة عيد، وأقبل الملك فاروق، مفاجأة أحسست عندئذ أن في قلبي عيدا سعيدا، وأن في قلبي موسيقى تعزف بأعذب الألحان، أحسست في الوقت نفسه برهبة، وخوف، وحرت ماذا أغني في حضرة المليك؟! ورحت أغني.. لأم اشعر بشئ بعد ذلك، ولم أعرف أنني أجدت، ولم أعرف أنني فشلت، بعد ذلك بايام في محطة الإذاعة أسمع الشريط، الذي سجلت عليه أغاني الحفلة، فأغمضت عيني، ورحت أسمع، ولم أتمالك نفسي، فوجدتني أصيح: الله..يا أم كلثوم.
وقف جمال عبد الناصر بجانبها بعد خلافها مع عبد الوهاب فغنت له
بعد ثورة يوليو، تعرض معظم من جمعتهم بعلاقة من قريب أو بعيد بالملك فاروق وحاشيته لمضايقات من قبل القيادات الجديدة الحاكمة للبلاد بعد الثورة، فتم منع أغاني أم كلثوم من الإذاعة وطردها من منصب نقيب الموسيقيين، رغم غنائها للجيش عند حرب فلسطين سنة 1948، إلا أنهم اعتبروها من العهد البائد، وعندما علم جمال عبد الناصر بهذا الخبر من مصطفي أمين، اثر نزاع على منصب النقيب تلغى الانتخابات، ويعين محمد عبد الوهاب في منصب النقيب، فقامت أم كلثوم باعلان قرار اعتزالها، ليقوم بزيارتها في منزلها وفد من مجلس قيادة الثورة من بينهم جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، فيؤثر ذلك المشهد في أم كلثوم وتعود عن قرارها.
زواجها وقصص الحب
لقصص الحب في حياة ثوما كواليس كثيرة، فأحبها عددا ممن جمعهم بها اللقاء إلا أنها لم تحب أيام منهم، فانتشر أن القصبجي أحبها واكتفي أن يقف في ظهرها طيلة مشوارها الفني، كما أنتشر أن أحمد رامي أعجب بها فمزج بين حبه لفنها وانجذابه لشخصها، إلا أن ثومه لم تفصح لنا عن قصة حب من طرفها، إلا بعد إعلان زواجها سنة 1954 من الطبيب حسن الحفناوي ليستمر الزواج حتى توفت.
الفصل الأخير
حتى يأتي الفصل الأخير بحياة "كوكب الشرق" فتمرض بالغدة الدرقية، وتعاني من مشكلة جحوظ عينيها فترتدي النظارة السوداء، وتقلل من عدد حفلاتها، لينزل الستار على أسطورتها يوم 3 فبراير سنة 1975، لتفقد الأمة العربية والعالم أجمع أسطورة الغناء على مر العصور والأزمنة الراحلة الباقية، الراقية دائما وأبدا، العبقرية في الأداء والصوت، كوكب الشرق، الست أم كلثوم، يشيع جثمانها حوالي 4 ملايين شخص، لتصبح من أكبر 8 جنازات في العالم..رحم الله أم كلثوم.