داخل سراديب كل فنان نجد خرافات وأقاويل ووصايا غريبة تركها قبل وفاته، وعادة ما يترك الفنان وصيته قبل وفاته، لذلك وجدنا أن هذا الأمر لافت ومثير للجدل، ومن أبرز وصايا الفنانين والتى أدهشت الكثيرين فمنهم من أوصى بحرق جميع أفلامه، ومنهم من أوصى بأن تكون جنازته بسيطة جدا، ومنهم من طلب من مشيعو جنازته الرقص والغناء.
وعلى الرغم من أن حياتهم التى يراها جمهورهم تتسم بالرفاهية والنعم الكثيرة الا أن أغلبهم فى لحظة الوفاة أيقنوا أنهم أضاعوا حياتهم هباءا، والبعض انتابته حالة من الرعب والخوف من الله ومن عقابه، والكثير منا يرى نهايات مأساوية لنجوم الفن على عكس ما عاشوا عليه من ثراء وشهرة وحب الجمهور لهم، ولكن فى سكرات الموت لا فرق بين البشر سواء أكانوا فنانون يتمتعون بشهرة واسعة أم إنسان بسيط.
خالد صالح
فى آخر لقاء تليفزيونى له قدم خالد صالح وصيته للشباب قائلا "اللى جاى مرهون بقدرتكم على التغيير، ولازم نبذل جهد، إحنا بنعيش لحظة فارقة، ويا ريت تأخذوا الخبرة المحمودة من الكبار، وماتنفلتوش فى الحرية، وأنا بعيب عليكم انكم ماخدتوش شوية حكمة، ومفيش بلد هتمشى من غير حكمائها".
تحية كاريوكا
وجدت الفنانة الراحلة فى آخر أيامها طفلة رضيعة أمام أحد المساجد، فأخذتها وكفلتها واهتمت برعايتها، وأطلقت عليها اسم عطية الله، وعندما اشتد عليها المرض كتبت كاريوكا وصيتها بأن تقوم فيفى عبده برعايتها بعد وفاتها، ونفذت فيفى الوصية.
فريد الأطرش
قبل رحيله فى عام 1974 أوصى بأن يكون شقيقه فؤاد هو الوريث الوحيد.
سوزان تميم
تركت وصية قبل مقتلها وكأنها كانت تشعر أن النهاية اقتربت، جاء فيها، "بسم الله الرحمن الرحيم.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. أوصى بأن تحول ملكية كل ما أمتلك من مال أو عقار أو جواهر أو أى شىء بل كل ما أملكه، إلى والدتى وأخى، ولا أحد سواهما، وأوصيكم بأن تزكّوا وتحسنوا وتطعموا وتكفلوا الأيتام والمساكين وتتبعوا "سراط" -كما وردت فى النص- الله المستقيم، وتسامحونى أن أسأت إليكم وتدعوا لى بالرحمة، وأن تعتمروا لى وتحجوا عنى إذا تيسر لكم، وأن تكرمونى فى وفاتى".
حسين صدقي
قال فى وصيته: "أوصيكم بتقوى الله.. وأحرقوا كل أفلامى ما عدا سيف الإسلام خالد بن الوليد".
رشدى أباظة
طلب من خبير الاكسسوار "عم دونغل" أن يُدفن على فراش من الحنة.
الشحرورة "صباح"
تركت هذه الوصية لكى أوصلها إليكم، قائلة: "الصبوحة بتوعدكن وبتقول لكم ما تبكوا وما تزعلوا على، وهيدى وصيتى إليكن، قالت لابنة شقيقتها خليهم يحطوا دبكة ويرقصوا، بدى إياه يوم فرح مش يوم حزن، بدى ياهن دائما فرحانين بوجودى وبرحيلى مثل ما كنت دايما فرحان".
محمود المليجي
وكان محمود المليجي، يصور فيلمه "أيوب" عام 1983، مع الفنان عُمر الشريف، وكان يستعد لتصوير مشهده الأخير فى الفيلم، ثُم وهو يجلس مع فريق العمل قبل البدء فى التصوير، طلب أن يشرب القهوة، وما أن أتت، حتى ارتشف البعض من فنجانه، ثُم اضجع على كرسيه، وأمعن كثيرا وشرد ثم قال "يا أخى الحياة دى غريبة جدا.. الواحد ينام ويصحى، وينام ويصحى، وينام ويشخر"، وهنا أصدر "المليجى" صوت الشخير، فى إتقانٍ منه للمشهد، لكن ذلك الصوت ما لبث أن انقطع، وحل الصمت بين الجميع، صمتٌ طويل، قتلته كلمات عُمر الشريف الذى قال "إيه يا محمود!.. خلاص"، إذ اكتشف "الشريف" أن "المليجى" لم يكن يُمثل مشهدًا، لكنه كان يغادر الحياة على طريقته الخاصة، ليُسلم روحه فى السادس من يونيو 1983.
محمد فوزى
وتلك كانت الرسالة الأخيرة للفنان صانع البهجة الغنائية والفنية محمد فوزي، فى يوم الخميس 20 أكتوبر 1966، كتب "فوزي" تلك الرسالة: "منذ أكثر من سنة تقريبا وأنا أشكو من ألم حاد فى جسمى لا أعرف سببه، بعض الأطباء يقولون إنه روماتيزم والبعض يقول إنه نتيجة عملية الحالب التى أجريت لى، كل هذا يحدث والألم يزداد شيئًا فشيئًا، وبدأ النوم يطير من عينى واحتار الأطباء فى تشخيص هذا المرض، كل هذا وأنا أحاول إخفاء آلامى عن الأصدقاء إلى أن استبد بى المرض ولم أستطع القيام من الفراش وبدأ وزنى ينقص، وفقدت فعلا حوالى 12 كجم، وانسدت نفسى عن الأكل حتى الحقن المسكنة التى كنت أُحْقَن بها لتخفيف الألم بدأ جسمى يأخذ عليها وأصبحت لا تؤثر فىّ وبدأ الأهل والأصدقاء يشعرونى بآلامى وضعفى وأنا حاسس أنى أذوب كالشمعة.
إن الموت علينا حق.. إذا لم نمت اليوم سنموت غدا، وأحمد الله أننى مؤمن بربى، فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها، فقد أديت واجبى نحو بلدى وكنت أتمنى أن أؤدى الكثير، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة والأعمار بيد الله، لن يطيبها الطب ولكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرا فى حق نفسى وفى حق مستقبل أولادى الذين لا يزالون يطلبون العلم فى القاهرة.. تحياتى إلى كل إنسان أحبنى ورفع يده إلى السما من أجلى.. تحياتى لكل طفل أسعدته ألحانى.. تحياتى لبلدى.. أخيرًا تحياتى لأولادى وأسرتى".
كلماتٌ مؤلمة، قدر ألم صاحبها، الذى شعر بقرب النهاية، وربما كانت بذلك القرب الشديد منه؛ فقد وافته المنية بعد رسالته تلك بساعات، فى نفس اليوم، ودُفن صبيحة يوم الجمعة.
المثير أن "فوزى" كان قد اختتم رسالته تلك بهذه الكلمات: "لا أريد أن أُدفن اليوم.. أريد أن تكون جنازتى غدًا الساعة 11 صباحًا من ميدان التحرير.. فأنا أريد أن أُدفن يوم الجمعة".. وهو ما كان بالفعل.