تلك القضية قديمة فى مصر ودائما هى محل خوف لدى الجميع، ونرى أن من يعرض شىء يخص هذا الملف الشائع ليس فقط فى مصر، بل وفى أغلب الدول العربية وأيضا الأوروبية ولكن أعين الجميع لا تبصر سوى ما يحدث فى مصر، جرأة السينما كشفت إرهاب الثمانينات والتسعينات، ومن يطرح هذه القضية فنيا سريعا نرتاب ويمس قلوبنا الخوف عن ما سيحدث له ولفريق العمل نتيجة لجرأة المخرج أو الكاتب.
ومن عصر سياسى لآخر نرى ضمن التطورات التى تشهدها مصر من تداخل وارتباك وصراعات سياسية ودينية قادت إلى نهايات مأساوية بعضها تناولته السينما فى أعمالها ومنها ما حدث وقت اغتيال الرئيس محمد أنور السادات على أيدى حلفائه الإسلاميين الذين هاجم وتصدى بهم لنشاط اليساريين والمعارضين من شتى التوجهات.
قال المخرج تامر محسن إنه يرى أن الأفلام السينمائية يجب أن تتعامل مع قضايا، تناقش، ولفت إلى أن القضية مكانها المحكمة، أما نحن كقائمين على العملية الفنية فننظر للأشياء من منظور تكسوه المشاعر، وأضاف لا يوجد شىء اسمه وجهة نظر إخراجية، وقال "المخرج هو مفسر العمل وهو يعبر عن وجهة النظر".
وأوضح أن بعض الأعمال السينمائية لم تتناول الموضوع بشكل جيد بل تناولته خارجيا فقط أو ظاهريا ولم تتوغل فيه فبعض الأعمال رأت أن هؤلاء الإرهابيين هم مرتزقة والبعض رأى أنهم مخدوعون، وفى تقديرى الشخصى أننى أرى أن هذا الشخص هو فعل ذلك من منطق الاعتقاد وليس من منطق المرتزقة، وما أراه أنه لا يوجد شخص يريد أن يفجر نفسه من أجل النقود.
وقال إن بعض صانعى الأفلام يعتقدون أن شخصية الإرهاب هو شخصية مرتزقة بمعنى أنه يتقاضى الأموال من أجل يفعل هذا العمل أو أنه شرير ولد بالفطرة شرير، ولكن أنا فى اعتقادى أن هذا الشخص يعتقد فيما يفعل واعتقاده خاطئ بعيد كل البعد عن الحقيقة ولكنه اعتقاده ويرى أنه بذلك يرضى الرب حينما يفعل هذا.
وأضاف "أحب أن أشاهد أعمالا تناقش هذا الموضوع من هذا الجانب، بمعنى أن بعض صانعى الأفلام لا يعرفون المتطرفين، ويرونهم بنظرة سياحية من الخارج، ولكن لا أستطيع أن أتجاهل أن بعض الأعمال اقترب قليلا من التركيبة النفسية "لماذا تحول هذا الشخص إلى شخص إرهابى؟ هل واجه فى حياته احباط ما؟ هلى نشأته كانت تشوبها عراقيل جعلت منه هذا الشخص؟ ما الشىء الذى جعل هذا الشخص هو يبحث عن نفسه ويرتمى إلى عالم المتطرفين ويتبنى أفكارهم ويعتقد فيما يعتقدون ويفعل ما يريدون.
وكانت وجهت نظرى عندما قمت بعمل مسلسل "بدون ذكر أسماء" كانت هذه هى طريقتى فى تفسير الأشياء ولفت إلى أن وحيد حامد له باع فى هذا الموضوع، وكان تقديم شخصية "معتمد" فى المسلسل هى أكبر دليل لأن هذا الشخص لا يسلك سلوك الإرهاب ولكن المتطرف وفى تجارة فى الدين فكان كل ما يشغلنى هو تفسير لماذا هذا الشخص ألقى بنفسه إلى جعبة هذا الفكر وكانت توجد تفسيرات أخرى فى المسلسل بهذا الشكل.
وأضاف محسن أن من أهم أسباب هذه القضية هى أسباب اجتماعية ونفسية أو أنها مشاكل فى النشأة أو قصور من الدولة، وأشار إلى طرح مثال كالشخص القادم من الأقاليم الذى يذهب إلى الجامعة ثم لا يستطيع أن يتواءم مع بقية أقرانه نظرا للفروق الاجتماعية ويشعر أن الآخرين يلفظونه لأنه أقل لأنه ريفى ولأنه أفقر أو ضعيف اقتصاديا ولأنه لا يستطيع أن يفعل ما يفعلونه فسرعان ما يشعر بشرخ نفسى عميق، فحينما يجد آخرين يقولون له أنت أقوى فسريعا يرتمى فى جعبتهم دون تفكير، وهذا هو أحد الأسباب وهو ما يهمنى فى تجسيد الإرهابى، ومنها نعرف أننا لدينا أزمات عديدة منها النفسية والاجتماعية وثقافية وقصور فى كل نواحى الحياة هى من تصنع الإرهابى.
وأرجع ذلك إلى المسئوليين، وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة وجهل ومرض وفقر.
وقال المؤلف بشير الديك معقبا على فيلم "القرموطي" أنه كوميدى ولا يعد من الأعمال التى تناقش مثل هذه القضايا الدسمة، وقال عن الفكر الداعشى أنه يعتمد على الممارسة أكثر منه على الفكر.
موضحاً أنه لا ينشر فكر معين بل ينشر شكل خارجى مثل "الذقن والجلباب والعلم الأسود" إلى جانب هذا فأصبحنا نرى القتل والذبح أمام الكاميرات وأعتقد أنه يحدث لأول مرة فى العصر الحديث ويصبح هذا منهج مجموعة من الناس ينشرون ما يسمونه "الدولة الإسلامية" ولو تحدثنا عن التكفير والهجرة وعن الإخوان المسلمين أو عن الظواهرى، لم يكن هكذا لم يكن يعتمد على نشر الصورة على مرأى العالم من خلال الميديا ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعى بشكل مجنون وكثيف إلى أقصى درجة بحيث أنه يخلق نمط يصبح الحديث عنه ملموساً أكثر، قبل ذلك كانت الجماعات الاسلامية والتكفير والهجرة.
وأشار الديك إلى أنهم قبل اغتيال السادات نشروا ما يدعى "بالفريضة الغائبة" وتكفير المجتمع، ويقصدون بها فريضة الجهاد وتكفير المجتمع هؤلاء لم نسمع عنهم أى كلام ولكن نحن رأينا عنهم صور شاهدنا صورة الطيار الأردنى الذى أحرق حياً وتعمدوا أن الناس يشاهدون ذلك كما رأينا صورة الذين قتلوا على الشاطىء وهذا النمط هو جديد علينا حينما يناقش يجب أن يناقش بشكل مختلف تماما، أنا شخصيا لا أجرؤ على الرغم من أننى فكرت أن أتناول قضية الولد المقيم بمنطقة مصر الجديدة الذى تحول إلى داعشى وبطل من أبطال داعش على الرغم أنه من الطبقة فوق المتوسطة، خريج المدارس الفرنساوي، كنت سأناقشها من زاوية أخرى" ما الذى جعل مثل هذا الصبى أن يصل إلى ذلك الفكر؟" وما هى معتقداته وكيف أصبح هكذا؟
هذه المسألة تحتاج إلى مجهود عالى جدا كى تصل إلى كيف وصل هؤلاء الأشخاص إلى هذا الفكر وما الذى أدى بهم إلى هذا رغم أنهم اجتماعيا وظروفهم الحياتية تتمتع بشيء من الرفاهية.
وقال الديك عن رأيه فى الأعمال التى قدمت فى هذا المجال ومن بينهم فيلم أنا قدمته يحمل اسم "الارهاب" فأنا أرى أنها لم تعتمد على الشكل الجاهلى "المشهور والمتعارف عليه على هؤلاء" وليس يتوغل ويدخل داخل الشخصيات أرى أن هذه القضية تحتاج إلى عمق أكثر ولكن هذا لم يتم إلا بمرور الوقت.
وألفت إلى أن ما كتب عن الإخوان المسلمين كتب بشكل جيد، إلا أنه ما كتب عن داعش لم يقدم بشكل جيد.
وأشار الديك إلى أحد الأعمال السينمائية التى أشاد بها ولاقت اعجابه كتابة واخراج، مثل " الإرهاب والكباب" لشريف عرفة.
وقال عن فيلم "حين ميسرة" هو عمل يتحدث عن المهمشين الذين انتشروا حول القاهرة منذ فترة بعد الثمانينيات، ولكنه لم يركز على الإرهاب والتطرف، الا أنه كان فقط جزء من القالب الدرامي.
وعن فيلم "دم الغزال" فهو يتحدث عن مصر وضياعها بين التشدد والناس الطبيعية لكنه لا يناقش قضية الإرهاب، بل أنه يناقش قضايا اجتماعية تحتوى على إيحاءات، حتى إذا ظهر ارهابى فى هذا الجو فهو تعبير عن وضع اجتماعى، ولكن نحن نتحدث عن الإرهاب العقائدى وهذا ما لم يتناول العمل بشكل مكثف وواضح.
فى فترة الثمانينيات والتسعينيات كانت توجد ممارسات قوية من هذه الجماعة على المستوى المجتمعى ذاته,
ولكن الإرهاب الآن انتشر خاصة فى سيناء ويمارسون أعمالا عنيفة، وأشار إلى فيلم "الإرهابى" للنجم عادل أمام حين هدد من قبل هذه الجماعة، حينها قابل هذا التهديد بأنه ذهب ليعرض مسرحية له فى صعيد مصر وهذا من أكثر الأماكن وقتها التى كانت بها عنف.
ولفت إلى أن ما يحدث الآن هو حرب معلن وبائن، وأوضح أنه فكر فى أن يكتب عمل يناقش هذه القضية وأشار إلى أن ما عرقل هذا هو عدم توافر كم كبير من المعلومات التى تفى عمل مثل هذا حقه أدبيا وفنيا كى يخدم الناس والمجتمع حقاً، وقال لابد أن أقترب من منهم كى أحصل على كم هائل من المعلومات وأن أقوم بعمل دراسة نفسية.
ولكن لصعوبة الاقتراب من هؤلاء الجماعات فمن الممكن أن نقدم أعمال مسرحية قد لا تحتاج إلى ما تحتاجه السينما لأن المسرح يستطيع أن يناقش أفكار على عكس السينما فإنها تدخل إلى أعماق البشر.
وفى النهاية يظل الفن هو مرآة المجتمع وهو خط الدفاع الأول ضد كل من تسول له نفسه بان ينال من الشعب أو الوطن وهو ما شاهدناه على مر العصور حيث كان الفن شاهد على جميع الأحداث راصدا لها بكل دقة وأمانة.