لا يختلف اثنان على أن الدراما التليفزيونية فى مصر خلال السنوات الأخيرة استطاعت تحقيق طفرة نوعية فى مختلف فروعها، سواء فى شكل الصورة التى أصبحت تقترب من شكل السينما، أو من حيث الديكورات المبهرة أو حتى طريقة الإيقاع السريع، التى يستخدمها جيل المخرجين الشباب، ولكن تبقى هناك تساؤلات كثيرة تنتابنى أنا وكل المهتمين بمستقبل الدراما التليفزيوينة فى مصر، منها أين اختفى صناع الدراما الحقيقيون؟، هل بسبب توالى الأجيال، وطبيعة الحياة بتسليم مبدعى الريادة لآخرين؟، أم أن الذوق العام للجمهور المصرى تغير وأصبح لا يتواءم مع إبداع جيل الرواد المتمثل فى كثيرين منهم على سبيل المثال محمد جلال عبد القوى ويسرى الجندى وكرم النجار والراحل محمد صفاء عامر، فكل من هؤلاء المبدعين الثلاثة، له أعمال يسعى لتنفيذها منذ سنوات طويلة ولكن دون جدوى، وتتواجد فى أرفف مكاتبهم باحثة عن منتج يتحمس لها، حتى الكاتب الراحل صفاء عامر، توفى وفى جعبته عملين يسعى لظهورهما للنور، هما "الميراث الملعون"، والذى تعاقد عليه مع شركة أوسكار ثم سحبه، وقدمه لقطاع الإنتاج بالتليفزيون المصرى، وفى كل الأحوال لم يتم تنفيذه حتى الآن، والآخر هو "شفيقة ومتولى".
المخزى فى الأمر أن أكثر من 80% من الكتاب الجدد يعملون كـ"الترزية"، ينتظرون نجمًا ما، يعرض عليه فكرة ما، كى يصيغ له السيناريو والحوار لقصة لا تتواجد سوى فى خيال البطل، ولا يرغب من ورائها سوى أن يراه الجمهور فى هذا الثوب الذى يريده هو، حتى ولو كانت القصة التى يقدمها بلا هدف أو وعى أو أى رسائل إنسانية ستفيد من يشاهدها أو يتعلم منها شيئًا، بل يكون معظمها عبارة عن جرى وقتل وقفز ولعب بالجرافيك حتى لايموت البطل عندما يقفز من الدور الـ10، أو تدهسه سيارة، وآخرون يقدمون أعمالاً خالية من تقديم مفهوم العلاقات الإنسانية الحقيقية بين أفراد مجتمعنا المصرى، وماتحويه هذه العلاقات من حب وهجر وخير وشر، مؤخرًا قدم الكاتب مجدى صابر ثلاثية "سلسال الدم"، والتى أعادت أهالى الوجه القبلى والبحرى للمكوث أمام شاشات التليفزيون وقت عرض المسلسل، لأنه عبر من خلال العمل عن أوجاعهم وأحلامهم بشكل إنسانى يدخل القلب دون مقدمات، وهو ما حرص عليه كتاب جيله، وما يبحث عنه إخواتنا "الفلاحين والصعايدة" اللذين يمثلان 90 % من سكان مصر.
وحتى لا يكون الحكم ظالمًا على الجيل الجديد من الكتاب فهناك مؤلفون آخرين من جيل العقد الأخير استطاعوا تقديم شكل جديد للدراما التليفزيونية مثل أيمن سلامة وحسان دهشان وهشام هلال ومحمد صلاح العزب ومحمد أمين راضى، ولكن تحتاج الدراما المصرية للمزيد، لتقديم مايفيد عقولنا لتنويرها وتثقيفها، لأن مجتمعات العالم لا ترقى إلا بالفكر والثقافة.