فى الخامسة والنصف من مساء 31 مايو 1934 وعلى موجات الإذاعة المصرية كان ميلاد الجملة الشهيرة "هنا راديو الإذاعة المصرية الملكية اللاسلكية.. هنا القاهرة"، وبعدها أصبحت أشهر جملة فى تاريخ الإذاعة المصرية، حتى يومنا هذا ما زالت الإذاعة تستعين بـ"هنا القاهرة" فى فواصلها، وارتبطت هذه الجملة فى أذهان المستمعين بصوت الإذاعى الكبير أحمد سالم أول مذيع مصرى بالإذاعة عام 1936، والذى يحتفل الوسط الإعلامى والفنى بذكرى ميلاده فى 20 فبراير الجارى.
أحمد سالم صاحب الصوت المميز والشخصية الجذابة ولد عام 1910 بمدينة أبو كبير محافظة الشرقية، ولم يكن سالم مذيعًا فقط ولكنه عمل فى مجال كتابة الأعمال السينمائية والتمثيل والإخراج أيضًا، فهو عبارة عن مجموعة من المواهب تجسدت فى شخص واحد، حيث درس فى البداية الطيران وسافر إلى إنجلترا لاستكمال دراسته هناك وعاد إلى مصر سنة 1931.
كما عمل مديرًا للقسم العربى بالإذاعة المصرية سنة 1932م، وظل أحمد سالم يحاول طرح أفكار برامج جديدة وبالفعل قدم فى الإذاعة عددًا كبيرًا من البرامج الناجحة، وذات يوم ذهب أحمد سالم كمذيع إلى حفل أقامه طلعت حرب باشا بمناسبة نجاح شركات بنك مصر وأعجب بذكاء المذيع الشاب وطلب منه أن يتفرغ لإنشاء شركة مصر للتمثيل والسينما وبناء استوديو كبير يكون مصريًا خالصًا، وبالفعل قدم أحمد سالم استقالته وتفرغ لبناء صرح السينما المصرية، فبنى استوديو مصر على غرار أحدث وأهم استوديوهات فى العالم بهذا الوقت، وقدم باكورة إنتاج لـ«استوديو» فيلم «وداد» لأم كلثوم وأحمد علام أدى نجاح الأفلام التى أنتجها «استوديو مصر» إلى ثقة طلعت حرب فى «سالم» فعينه، عام 1936، المدير العام للقسم الهندسى لشركات بنك مصر، إضافة إلى منصب مدير عام مطبعة مصر، ومدير عام لقسم الدعاية السينمائية لبنك مصر.
تحدى أحمد سالم الملك فاروق عام 1938، عندما أنتج استوديو مصر فيلمًا بعنوان «لاشين» أثار ضجة كبيرة فى المجتمع المصرى، والفيلم أغضب الملك لأن قصته كانت تدور حول قيام ثورة ضد حاكم مستبد له علاقات نسائية وشهوات، وطلب القصر ومن بعده طلعت حرب تعديل السيناريو وأن تكون نهاية الفيلم لصالح الحاكم بدلًا من القضاء عليه، لكن «سالم» رفض وقدم استقالته، وظل الفيلم ممنوعًا عن العرض لفترة طويلة وكان الفيلم فكرة «سالم»، وكتب السيناريو فريتز كرامب وأحمد بدرخان، والحوار أحمد رامى، ومن بطولة حسين رياض وعبد العزيز خليل، ومن إخراج فريتز كرامب، وبعد استقالته استأجر استوديو «وهبى» بالجيزة، لمدة 5 سنوات، وقدم أول فيلم عام 1939 من تأليفه وإخراجه وبطولته، بالاشتراك مع الأبطال راقية إبراهيم، وأنور وجدى، وحسين صدقى، وعباس فارس.
أحمد سالم اكتشف الفنانة كاميليا وتزوج تحية كاريوكا وأسمهان ومديحة يسرى، أما الرصاصة التى أودت بحياته فكانت عند شجاره مع الفنانة الراحلة أسمهان عام 1944 التى كانت آنذاك زوجته حين عادت إلى المنزل فى وقت متأخر فرفع عليها المسدس ليطلق عليها الرصاص، فهرعت صديقتها إلى الشرطة وأتت بها، فحدث شجار بين أحمد سالم وضابط الشرطة، وتبادل الاثنان إطلاق الرصاص لتصيب أحمد سالم رصاصة فى الصدر وعولج لكن آثارها ظلت تؤلمه إلى أن دخل المستشفى عام 49 لإجراء عملية جراحية، لم تنجح، وتوفى فى الحال.