يجلس على مقعد خشبى قديم بين أربعة جدران متهالكة، يرتدى ملابسه البالية ممسكاً بمنشار حاد ، وقد ترك ذلك المنشار آثار جُرح على أصابعه الخمس ، 12 ساعة يقضيها الرجل الخمسينى ، والشاب الثلاثينى على مقاعدهم دون حركة ؛ لتفريغ قطعة نحاسية تستغرق الكثير من الوقت.
مهنة صعبة وشاقة لا ينتظر من يعمل بها أن يُخبر الناس عن معاناته، يكفى أن تنظر فقط إلى يديه لترى تشققات وجروح فى أصابعه، ونظارة طبية تعكس ما أصاب نظره من ضعف نتيجة النظر الطويل فى القطع النحاسية أثناء تفريغها، عم سيد حسن الذى يعمل فى مهنة صناعة "الشعار" أو كما يقول عنها من لا يعرفها "تفريغ النحاس" منذ أن بلغ عامه الـ17، والتى يصفها عم سيد بأنها ستنقرض فى الأعوام القليلة المقبلة.
يُمسك "سيد حسن" المنشار "الأركت" السويسرى بيديه ويُدخله فى القطعة النحاسية المربعة ليبدأ تفريغ النحاس منها بدقة وعناية شديدة، لتذهب القطعة النحاسية بعد ذلك لورشة "تلميع" لتأخذها بعد ذلك فنادق كبيرة على أعلى مستويات، أو محلات تبيعها فى مناطق سياحية للسائحين، نظراً لما تعكسه الرسوم التى توجد عليها من حضارة عريقة تميزت بها مصر.
قطعة نحاسية محفور عليها معالم لطالما اشتهرت بها بلد حضارة الـ7000 سنة، فأبو الهول والأهرامات الثلاثة موجودان على القطعة النحاسية بشكل بارز وأنيق، ولم تكن معالم مصر الحضارية هى فقط التى ارتسمت فوق النحاس، بل كان للفن أثر مهم فيه، فتجد كوكب الشرق وأغانيها محفوران على قطعة نحاسية يستخدمها البعض كتذكار بينما يستخدمها البعض الآخر كديكور أو تُعلّق فى النجف.
يرتشف عم سيد الشاى ويروى لـ"انفراد" أنه يعمل فى هذه المهنة منذ 40 عاماً، وحين أراد تعليمها لابنه وأحفاده رفضوا ولم يتحملوا مشاقها قائلين أنها تحتاج لصبر وجهد، ويستكمل عم سيد "زمان كانت المهنة بتكسّب قبل ما تدخل الصين فيها وتستخدم الليزر والبلازما فيها، زمان كان مكسبها حلو اوى بس لحد دلوقت فيه حاجات احنا بنعملها بايدينا الصين متعرفش تعملها بالمكن بتاعها".
ويقول عم سيد "زمان الورشة كان فيها عمال كتير لكن دلوقت فضيت عليا بس لأن مكسبها مبقاش زى زمان، وأنا كان فيه مهن كتير قدامى لكن رفضتها عشان حبيت المهنة دى تحديداً شغلها ممتع وحلو".