متمردة كانت، شديدة الغيرة، تمتلك من العلم ما جعلها مصدراً صادقاً للفتوى المستندة على وقائع ثابتة من أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام، شديدة القوة عندما يتطلب الأمر موقفاً حاسماً، وأخيراً هى أقرب نساء الأرض لقلب سيد الخلق، هكذا ذكرتها كتب السيرة، وهكذا وصفها المؤرخون، وهكذا جاءت سيرة "عائشة بنت أبى بكر" التى استحوذت على قلب النبى "محمد" صلى الله عليه وسلم وهى بعد طفلة لم تفك جدائلها، أما عن قصة الحب التى جمعتها برسول الله عليه الصلاة والسلام، فهى القصة التى تدعو للتأمل، فى رجل أحب امرأة فمكنها من قلبه، وامرأة أحبت رجلاً فاحتضنت روحه التى صعدت إلى السماء بين ذراعيها، فقصة زواج السيدة عائشة برسول الله عليه الصلاة والسلام، هى واحدة من قصص الحب الحقيقى التى أغفل التاريخ وضعها ضمن قائمة أعظم أمثلة الحب والسكينة بين رجل وامرأة.
زارته فى منامه قبل أن يلقاها، جاءت بين يدى "جبريل" عليه السلام ملفوفة بشالِ من حرير، فلما سأله رسول الله قال جبريل "هذه امرأتك فاكشف عن وجهها" – حديث صحيح عن عائشة رضى الله عنها-، عرفها طفلة تلهو، احتضنها حتى اكتملت أنوثتها، داعبها وهو الرجل الخمسينى آنذاك، احتضن براءتها طفلة، استمع لمرحها صبية، احتوى غيرتها امرأة ناضجة تمارس طقوس غيرة الضرائر بكامل عنفوانها، واهتدى لمهجعها كلما اشتد عليه الحال يشكو إليها، كان لها زوجاً يعرف كيف يعامل امرأة تصبو للعلم والتفقه فى أمور الدين، فلم ينهرها وكان دائم الاعتراف بعلمها أمام الجميع، كان زوجاً مقدراً لحالات الغضب التى تعتلى وجهها بمجرد ذكره لأخرى، فكان رسول الله دائماً ما يقابل ثورة "عائشة" الغيورة بالابتسام والتروى، ويجد فيها حباً جماً يقدره حق قدره، لم يخفِ حبه عندما سؤل عن أحب الناس لقلبه فقال "عائشة" فقالوا ومن الرجال؟ قال "أبوها"، ولم يخفى حاجته لها فى مرضه الأخير عندما طلب من زوجاته أن يقضى أيامه الأخيرة فى حضن عائشة أقرب زوجاته لقلبه حباً، فإذا كانت خديجة رضى الله عنها هى من قدمت للنبى حباً خالصاً، فعائشة هى من فازت بقلبه رجلاً وزوجاً وعاشقاً متفهماً صبوراً.
فى الحب ضرب الأمثلة برضا وعن طيب خاطر وهو النبى الذى اصطفاه الله بالوحى والرؤى، وهى من كان لها نصيب فى الوحى عن غيرها من نسائه وبناته، فهى الوحيدة من زوجاته التى قال فيها رسول الله "الوحى لم يأتنى وأنا فى ثوب امرأة إلا عائشة" – صحيح البخارى-، أما عن نصيبها الأكبر من الوحى فكانت براءتها من حادثة الإفك التى اتهمت فيها باطلاً، بآيات نزلت فى سورة النور، دليلاً على ما نجحت عائشة فى الوصول إليه من حب فى قلب النبى الذى أنهى الله عز وجل حيرته وألمه فيما قيل عن أقرب النساء لقلبه، فكانت هذه الآيات تبرئة لا تقبل الشك، وتأكيداً على حب النبى لامرأة وهبها قلبه راضياً، سلاماً على "عائشة" فهكذا خلق الله امرأة يسكن إليها رجل.