"هاجر".. من حركتها مشاعر "الأمومة" فهرولت من خلفها أمة محمد

فى مكان ولادتها، وحقيقة نسبها وأصلها اختلفت الروايات، فهى من قالت لاعنها الكتب أنها ابنة ملك مصر "سونسرت الثالث" قبل حرب الهجسوس التى تركتها أسيرة، ثم جارية فى منزل فرعون، وهى أيضاً من قبل عنها أنها "جارية" لا أصول ملكية لها، وهى من ذكرتها كتب التاريخ القديم بأنها من نسل "مصرايم" جد المصريين الأكبر من حام ابن نوح عليه السلام، اختلفت الروايات حول بداية القصة، ولكن لم تختلف على النهاية التى حولتها من سيدة لعبت دور الزوجة الثانية الشابة، إلى امرأة أرشدت من خلفها أمة كاملة، ووضعت بخطواتها قواعد التزم بها كل من أسلم وجهه بعد ذلك لوجه الله عز وجل. "هاجر" أو أم إسماعيل عليه السلام، زوجة أبو الأنبياء الثانية التى كرمها الله بما لم تكن تتوقعه فى حياتها الأولى بمصر، سواء كانت جارية تم أسرها فى الحرب أو أميرة من نسل ملوك حكموا مصر قديماً، فهى من انتقلت فى حياتها الثانية لألقاب أخرى زادت شرفاً عن الملك، تزوجت إبراهيم عليه السلام بأمر من زوجته الأولى التى قيل عنها أنها أجمل نساء الأرض، اختارتها راضية خاضعة لحبها فى زوجها، ورغبتها فى أن يكون لإبراهيم عليه السلام ما حلم به من ذرية صالحة، كتمت سارة بقلبها الغيرة، بينما بدأت "هاجر" فى استيعاب ما حولها من حياة أخرى فى منزل غريب وبلاد لا تعرفها، فترة ليست بالطويلة ثم أنجبت "سارة" إسماعيل عليه السلام، زوجها شيخاً طاعناً فى السن، وزوجته الأولى لم تفلح فى كتمان غيرتها مدة أطول، ولم تتمكن فى كبح جماح ما تحمله من تقلبات أنثى لن تخبو بداخلها حتى وأن وصل سنها لثمانين عاماً، غارت سارة، فأطاحت بحياة هاجر الثانية، وجدت نفسها فى رحلة طويلة شاقة من السفر يبحث بها نبى الله إبراهيم عن مكان أخر للعيش، متبعاً إرشادات وحى ربه سارا دونما أن تسال "هاجر" على التفاصيل، سارت حاملة إسماعيل حتى وصلا إلى صحراء قاحلة تركها فيها "إبراهيم" مؤكداً أن هذا أمر ربه فما كان منها سوى أن قالت "إذا لن يضيعنا الله"، أى صبر احتملته امرأة برضيعها، يتركها زوجها النبى فى صحراء لا يوجد بها سوى شمس تلفح جسديهما وتترك الأرض بعد مغيبها دافئة ليلاً؟، تركها إبراهيم فى خوف يعتصر قلبها، لم يملك من أمره سوى أن يلبى صاغراً، ولم تملك هى سوى الامتثال، ولكنه التفت لربه داعياً: ﴿رَبَّنَا إِنِّى أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ إبراهيم 37.

ربما لم تذكر كتب التاريخ ما يكفى عن تاريخ قصة "هاجر" أم إسماعيل عليه السلام، ربما لم يتمكن أحد المؤرخين من وصف مشاعرها كامرأة وأم ترى طفلها على وشك الموت جوعاً، ربما لم يتخيل أحدهم كيف شعرت امرأة يتركها زوجها بناء على رغبة زوجته الأولى، فتتنازل وتقبل راضية بقضاء الله وقدره، فمهما سرد المؤرخون قصة السيدة الكريمة "هاجر" زوجة أبو المؤمنين، وام النبى "اسماعيل" لن يتمكن أحد من الشعور بما اعتصر قلبها من ألم لا تفهمه سوى امرأة تركها زوجها لتحمل المسئولية بمفردها، قوية، صابرة، محتسبة، ومن هذا الألم على وجه التحديد، من وجع المرأة والأم، وليس من تعب ومشقة الظروف، كانت معجزة "هاجر" وولدها عليه السلام، انطلاقاً من أنوثتها التى امتزجت بالمسئولية المفاجئة بدأت "هاجر" فى التفكير فى حلول بعد الأزمة، وانطلاقاً من أمومتها رسمت بخطواتها المتخبطة على رمال الصحراء الساخنة خطوط للمسلمين لمئات السنوات القادمة، تحركت أمومتها وهى التى لم يصمت انين قلبها بعد فانطلقت تهرول باحثة عن ماء ينقذ رضيعها، أخذت قدميها تدفعها بين جبلين هم "الصفا والمروة" جرياً مرة بعد مرة، ترى السراب فتهرول نحوه ثم لا تجد شيئاً، حتى فجر الله البئر تحت أقدام إسماعيل "عليه السلام"، استجاب الله لدعاء خليله "إبراهيم" عليه السلام، وتحول المكان الذى هرولت فيه "هاجر" أماً تدفعها غريزتها ولا شىء آخر إلى قبلة المسلمين فى الأرض على مر التاريخ، ومازالت أقدام "هاجر" التى هرولت بين الجبلين تدفع اقدام الأمة الإسلامية جميعاً للهرولة بحثاً عن حكمة الله فى اختيار "هاجر المصرية" لمحنة خرج منها ركن من أعظم أركان الإسلام فيما بعد، فسلام على "هاجر" من حركتها الأمومة فهرولت من خلفها أمة محمد.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;