لم تكن بنات النبى - صلى الله عليه وسلم - ببعد عن الهم والحزن، فهى واحدة من بنات الحبيب محمد - عليه الصلاة والسلام - التى أنجبها من أولى زوجاته السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها وأرضاها، وكانت أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء، وأسلمت فأسلمت معها ابنتاها السيدة رقية رضى الله عنها، والسيدة أم كلثوم رضى الله عنها، لم يختلف حظ أم كلثوم كثيراً عن حظ أختها رقية، فكان قدرهما أن يخطبهما جدهما عبد المطلب لأبناء أبو لهب، فزوجت السيدة رقية لعتبة ابن أبو لهب، وزوجت أم كلثوم لعتيبة ابن أبو لهب، وقبل أن يسمها جاءت الرسالة الإلهية للحبيب محمد حيث أمره الله أن يطلقا ابنتاه، وذلك بعد أن اشتدت الحروب بين الكفار فى قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مرت الأيام وتزوجت رقية رضى الله عنها من عثمان بن عفان، وأحلت بها كثير من الأزمات آخرها وفاة ابنها عبد الله ووفاتها من بعده، ثم يأتى دور السيدة أم كلثوم رضى الله عنها وهى الصغيرة فى السن التى أمر الله والدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتزويجها من زوج أختها عثمان بن عفان، الذى اشتهر بحسن طلعته وجمال خلقه ونسبه العريق، وكان زواج عثمان بن عفان من السيدة أم كلثوم له خبايا خاصة، حيث حزن ابن عفان كثيراً على وفاة زوجته الأولى وحبيبته رقية، وحزن أكثر لأن نسبه برسول الله قد انقطع وانقطعت معه المصاهرة التى اعتبرها فضلاً من الله عز وجل عليه، وأخذ يبكى حتى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يؤلمه، فأخبره أن سيدنا جبريل عليه السلام حمل له رسالة ربه بتزويجه من أم كلثوم لتكمل وصل بن عفان ببيت النبى، وتكمل ما قطعته أختها رقية بتقديم العون لزوجها ووالدها فى نصرة الإسلام ونشر الدعوة.
وكان عثمان بن عفان ذا قلب رحيم وخلق دمث، فأحسن معاشرتها وظل يقدرها، خاصة أنها لم تنجب له طيلة فترة زواجها به وحتى توفاها الله فى بيته، لكنه كان يحبها ويعتبر زواجها منه منحة من الله وفضل منه، حتى لا ينقطع وصلة ببيت النبوة.
وبالرغم من أن كتب السيرة لم تذكر الكثير عن السيدة أم كلثوم رضى الله عنها وأرضاها، إلا أن أحاديث الصحابة والروايات الصحيحة أكدت منزلة أم كلثوم عند أبيها وعند خالقها، ويبدأ فضل الله عليها وحبه لها بتزويجها من ثالث الخلفاء الراشدين وأحد الصحابة المكرمين، ثم تتوفى أم كلثوم لتغسلها أسماء بنت أبى بكر وترًا وتزيد عن الوتر حتى وصلت مرات غسلها لـ5 مرات، ثم يكون الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، الإمام فى الصلاة عليها ويدعو لها كمًا من الدعوات التى يتمناها أى مسلم أن تُدعى فى الصلاة عليه، ثم تتبين منزلتها فى قلب أبيها أكثر فأكثر، فيجلس الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم على قبر ابنته والكثير من الصحابة معها فى حفرتها، من أبرزهم على ابن أبى طالب، وأخذ رسول الله يذكرها فى دعائه، لتتبين قربها من قلب سيد الخلق أجمعين.
اشتهرت السيدة أم كلثوم رضى الله عنها وأرضاها بالكرم والقلب الحنون، وحبها لأخواتها وتعلقها الشديد بأمها السيدة خديجة رضى الله عنها، وكانت من أول المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة بعدما اشتدت الحروب بين المسلمين والكفار فى مكة، ثم عادت إليها بعدما هدأت الأوضاع وكانت تحرص على تقديم العون لأخواتها وأبيها وتسانده فى نشر الدعوة.