"والله إنى كنت لأحبك فى الجاهلية فكيف فى الإسلام. ولكننى امرأة مُصبية (أى عندها صبيان) وأكره أن يؤذوك".. نوع فريد من المحبة يعبر عنها رد "أم هانئ" أو "فاختة بنت أبى طالب بن عبد المطلب" ابنة عم النبى صلى الله عليه وسلم، أخت الإمام على بن أبى طالب، حين تقدم النبى الكريم لخطبتها بعد أن أسلمت وفرقت عن زوجها هبيرة بن أبى وهب بن عمرو المخزومى الذى لم يدخل الإسلام ففرق بينهما وتركته وعكفت على رعاية أبنائها الأربعة.
شرف عظيم ومنزلة كبيرة وهى منزلة "أم المؤمنين" ضحت بها "أم هانئ" رغم محبتها للنبى ولكنها حين تقدم لخطبتها لم تفكر فى الشرف العظيم الذى تناله، وإنما فكرت فى النبى الكريم حين يصبح زوجًا لها من جهة وفى أطفالها من جهة أخرى.
وذكر "محمد إبراهيم سليم" فى كتابه "نساء حول الرسول" أنه روى عن أم هانئ أنها قالت حين تقدم الرسول لخطبتها "يا رسول الله.. لأنت أحب إلى من سمعى وبصرى، وحق الزوج عظيم. فأخشى إن أقبلت على زوجى أن أضيع بعض شأنى وولدى وإن أقبلت على ولدى أن أضيع حق الزوج، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الحديث الذى رواه البخارى "نساء قريش خير نساء ركبن الإبل: أحناه على طفل، وأرعاه على زوج فى ذات يده ولو علمت أن مريم ابنة عمران ركبت الإبل ما فضلت عليها أحدًا".
إلا أن الله لم يحرم "أم هانئ" المكانة العظيمة أيضًا فكانت واحدة من النساء اللائى حزن لقب "راوية الحديث" وروت عن النبى 46 حديثًا، كما أسرى بالنبى ليلة الإسراء والمعراج من بيتها، حيث روى أن الرسول حين عاد من "ثقيف" حزينًا لإعراض أهلها عن دين الله توجه لزيارتها ثم بات عندها فكانت حادثة الإسراء والمعراج.
وروى عنها أنها كانت تقول: ما أُسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو فى بيتى، نام عندى تلك الليلة فى بيتى، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما صلى الصبح وصلينا معه، قال: يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادى، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين، ثم قام ليخرج، فأخذت بطرف ردائه، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية، فقلت له: يا نبى الله، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ؛ قال: والله لأحدثنهموه.
قالت: فقلت لجارية لى حبشية: ويحك اتبعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعى ما يقول للناس، وما يقولون له. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أخبرهم، فعجبوا وقالوا: ما آية ذلك يا محمد؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط؛ قال: آية ذلك أنى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة، فندَّ لهم بعير، فدللتهم عليه، وأنا موجَّه إلى الشام.
ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بنى فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان؛ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء، ثنية التنعيم، يقدمها جمل أورق، عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والآخرى برقاء. قالت: فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم، وسألوهم عن الإناء، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه، ولم يجدوا فيه ماء. وسألوا الآخرين وهم بمكة، فقالوا: صدق والله، لقد أُنْفرنا فى الوادى الذى ذكر، وندّ لنا بعير، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه حتى أخذناه.