والحب إن كان من الحبيب شوقاً وولع، وإن كان من الأخ دام ونفع، تحكى كثير من القصص والحكايات عن قصص الحب التى تجمع الرجل بالمرأة وأدق التفاصيل التى تعبر عن العشق وقواعده والهجر وأساليبه والشوق إلى يمزق الفؤاد إرباً، وكيف يكون الدعم المعنوى من الحبيب لحبيبته، لكن قليل جداً من القصص والكتب التى تتحدث عن علاقات الحب الأخرى الموجودة فى حياتنا، وكيف يكون الرجل رجلاً مع كل ما يخصه كأمه أو أخته أو حتى مرضعته، وكيف يكون الحب الذى يصله الدم أو يصله قيم أخرى ربما تكون أقوى من الدم.
ولعل قصة رسولنا لكريم مع أخته الشيماء بنت الحارث ابنة حليمة السعدية مرضعة رسولنا الكريم إحدى القصص التى توصل معانى الحب والعطاء وتعلمنا كيف يكون الدعم وكيف تكون علاقة الأخ باخته، فبالرغم من أن السيدة حليمة السعدية هى مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى ظل عندها وعند قومها بنى سعد حتى تم 5 سنوات من عمره، وكان شديد التعلق بأخته الشيماء التى كانت قائمة لعى رعايته وتحنو عليه وتلعب معه، وعاشا مع بعضهما حياة الأخوات التى لا تخل من المزح واللعب والضرب أحياناً، وكانت "عضة" هى سبب لم الشمل فيما بعد، إذ كان رسول الله مثله مثل الأطفال يلعب مع أخته حتى عضها عضة فى ظهرها تركت علامة ظلت معها طوال عمرها وقد تغيرت حياتها بسبب هذه العلامة.
فكانت حليمة السعدية بمثابة الأم التى آمنت بابنها ولم تكذب نبوته ثم أسلمت أخته الشيماء التى كانت تمتلك جمالاً واضحاً وفصاحة متوارثة من قومها بنى سعد الذين اشتهروا بفصحاة اللسان والكلام الذى يحمل كثير من المعانى القوية، تمر الأيام وتقام الحرب وتؤخذ أخت رسول الله من ضمن السبايا، ثم تخبر الشيماء أحد صحابة النبى بأنها أخت صاحبه ورسوله حتى ترى أخاها وصغيرها الذى أعطته من حنانها ورعايتها الكثير، وتخبره بإنها أخته فيتعجب رسول الله ثم تذكره بـ"العضة" الموجودة فى ظهرها ويتأكد حينها رسول الله إنها الشيماء بنت الحارث السعدية التى فتح عينيه على الدنيا ليراها ويرى معها طعم الحب والرحمة بعدما ولد يتيم الأب والأم، وما كان لرسول الله إلا أن يفترش لها ردائه ويخيرها بين الإقامة معه معززة مكرمة أو العودة إلى قومها سالمة غانمة، فأختارت الشيماء قومها فأعتقها رسول الله وأرسل معها العبيد والجوارى كى يصاحبوها فى سفرها، ويظل رسول اللبه صلى الله عليه وسلم متعلقاً بأخته التى عاشت معه لحظات الطفولة وشملته بحبها، فكانت هى حافظة للدعوة عن ظهر قلب، فأن كانت نساء المسلمين يدعمون رسول الله فما بالنا بالأخت التى قد طال شوقها لرؤية الحبيب محمد وقررت نصرتها بكل ما أؤتيت به من قوة، ودليلاً على أن الإسلام أبداً بم يعتبر أن المرأة عورة أو أن ثقافتها وفصاحتها من الأشياء التى تشينها، فقد كانت الشيماء أخت الحبيب محمد تجهر بشعرها تساند به أخاها الذى أخاها الله به فكثفت شعرها ترحل به هنا وهناك وتزأر بكلماتها الثاقبة فى القوم حتى تردهم عن بأسهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانت لكلماتها مفعول السحر، فبعد أن توفى الحبيب محمداً صلى الله عليه وسلم ارتد عدد كبير من قوم بنى سعد وحدثت فتنة بالقوم، وظلت الشيماء ثابتة على إيمانها محبة لدينها ناصرة له، فأخذت تتلو عليهم شعرها التى تذكرهم فيه بالمصطفى وسنته وجمال الدين الإسلامى فاستطاعت كلماتها وشعرها أن يطفئا الفتنة ويعود بعدها بنو سعد إلى رشدهم.