صيجان مرصوصة، وقطع من العجين المزرقش بنقوش قديمة ربما تعود أصولها إلى العصر الفرعونى، وأوان كبيرة يجتمع حولها عدد من السيدات، تجهيز العجين بحركات يدوية عنوانها المرونة والاحتراف، وحرارة فرن ملأت أرجاء الشقة التى تركت بصماتها على الجدران من خلال قطرات المياه المتساقطة من البخار المتجمع فى سقف الشقة، ورائحة مميزة تبعث فى نفوسنا بهجة من نوع خاصة فى إشارة منها إلى اقتراب قدوم عيد الفطر المبارك.
عادات وتقاليد تمسكت بها الحاجة سحر أو "أبلة" كما يلقبها جيرانها صاحبة الـ50 عاما، فى كل عيد، من خلال امتلاك زوجها لفرن خاص به وكغيره من الأفران يقوم بعمل الكحك والبسكويت فى العيد، مات زوجها وانغلق الفرن فقررت أن تتمسك بعادتها وتكمل مسيرته بطريقتها الخاصة، التى أصبحت من خلالها أحد أبرز علامات العيد بمنطقة الكونيسة.
تحكى أبلة سحر لـ"انفراد" عن علاقتها بكحك العيد وتقول: "من صغرى وأنا بحب أعمل الكحك والبسكويت وكل حاجات العيد، واتعلمت صنعته أصلاً من أمى لأن عمايل الكحك من الحاجات اللى بنورثها، واتجوزت وبقى جوزى عنده فرن صغير، وبقيت فى العيد أساعده فى عمايل الكحك لحد ما الجيران كلهم كانوا معلمين الكحك بتاعى، لأنه بيتباع فى الفرن وفى نفس الوقت باين إنه بيتى والسمنة البلدى طعمها يبان مع أول قطمة".
لم تدم حياة الأبلة سحر الاحترافية مع الكحك طويلاً إذ توفى زوجها ولم يترك لها سوى 3 أبناء وخبرتها الطويلة مع الكحك وفرن مهجور يصعب عليها إدراته، فكان لها قرار خاص تحكى عنه وتقول: "لما مات جوزى، وقرب العيد لاقيت نفسى ببص للطشت بتاع العجين وبحزن على كل ذكرى حلوة ليا معاه، وقولت انا هفضل زى منا هفضى أوضة فى البيت وهعمل فيها الكحك لجيرانى، بس طبعاً السيولة مكانتش مساعدانى، بقيت أقول للى عاوز يجيبلى الدقيق والسمن ولوازم حاجته اللى انا بقولهم عليها، ويجبهولى أعمله انا هنا".
وعن مصنعية الأبلة سحر وأسعار الكحك تقول: "بعمل كيلو الكحك بـ15 جنيه، والبسكويت بـ20 عشان تقطيعه رخم، والبتيفور بـ20 جنيه، والقراقيش والمنين بالعجوة بـ15 زى الكحك، وساعات لما ألاقى واحدة مش قادرة تدفع أو هتعمل حاجات كتير باخد منها بالشورة كدة يعنى أقولها هاتى 50 جنيه أو 100 جنيه، وساعات بيزيد لما بيكون فيه كحك عروسة غير الكحك بتاع العيد".
بينما تتساقط قطرات العرق من جبينها تتحدث أبلة سحر بابتسامة عريضة وتقول: "الموضوع بيتعب جداً، بس دى فرحة ربنا ما يحرمنا منها أبداً، انا ببدأ فى عمايل الكحك بعد ما يعدى أول أسبوع فى رمضان، وكل سنة أقول للناس متزنقوش نفسكم وتزنقونى معاكم، وبرضه مافيش فايدة يجوا على آخر 10 أيام وكله يفتكر سحر والكحك، ساعات مبلحقش أفطر، عشان أسوى وأسلم وأفضى الصيجان، ولما بلاقى الوقت زنق أوى، ممكن أجيب كام واحدة من حبايبى يساعدونى اللى تنقش واللى تغسل الصيجان، وطبعاً براضيهم فى الآخر، ده غير بقى إن فيه واحدة تحب تقعد على حاجاتها وهى بتتعمل أقولها تعالى"، وأضافت: "مفيش ست مبتحبش الكحك البيتى، بس فيه واحدة صحتها مش بتساعدها، وواحدة تانية مبيكونش عندها وقت تعمل أصلاً زى الموظفات عشان كدة بيحبوا يجونى بدل ما يروحوا لفرن أو مخبز كبير هم مش عارفين هو حاطط ايه، لكن انا هم واثقين فيا وكل واحدة بتجيب حاجتها، اللى عاوزة سمنة بلدى بس بعملها، واللى عاوزة تخلط سمنة وزيت بعملها على حسب مقدرتها".
كلمات بسيطة وصفت بها الأبلة سحر علاقتها الوثيقة بـ كحك العيد، وكيف كان عادة ثم أصبح مهنة بطعم الفرحة، تتذوقها هى و زبائنها من سكان منطقة الجيزة والكونيسة.