سنون صغيرة يخرج من بينها الشكل الذى يرسم البهجة على وجوه الملايين مابين عيد وعادات، ولون نحاسى أو معدنى هو الذى يعطيه بريقاً بقدر جماله، فهو "المنقاش" الذى يملك القدرة على تشكيل العجين وفقاً لرغبة سنونه، تترك قطرات السمن المختلطة بالعجين بصماتها عليه، ورغم خفة حجمه إلا أن قيمته كبيرة تحملها الأمهات فى قلبها وتسلمها أجيال لأجيال.
ذهب وملابس وحلة قديمة ومنقاش هم أهم ما تتركه الأم لأبنتها، بل وتفضل أن تعطيها هذه الأشياء "على حياة عينها" حتى تتأكد إنها أدت رسالتها، ووضعت ابنتها على أولى درجات الأمومة والمسئولية، وتأتى أيام العيد لترى الفتاه ما تركته لها أمها وجدتها، وتعلم حينها أن هذه القطعة البسيطة هى الوصل بين الماضى والحاضر والمستقبل.
بنظرة عميقة تسترجع فيها ذكريات مضت تحدثنا مدام سلوى محمد 46 سنة عن منقاشها الذى تركته لها والدتها وتقول "ماما الله يرحمها كانت وارثة شوية مناقيش عن جدتى الله يرحمها من النحاس القديم بتاع زمان، وبعد كدة عملنا مناقيش جديدة لما خلفتنا 3 بنات، وكل ما واحدة فينا تيجى تتجوز تحطلها كام منقاش مع جهازها"، غلبت عينها الدموع فحاولت أن تخفيها بنبرة صوتها التى تفتعل الفرحة وتقول"بقالها 3 سنين متوفية وكل عيد نتجمع انا وأخواتى وكل واحدة تجيب المناقيش بتاعتها، ونترحم عليها هى اللى علمتنا ازاى نستعمل المنقاش صح، والمنقاش أبو سن غاطس إزاى أطلع بيه نقشة حلوة، وكانت دايماً تقولنا خفى إيدك على المنقاش عشان نقشتك تطلع أحلى".
من منقاش لمنقاش ذكريات كثيرة تتحدث عنها الحاجة هدى 54 سنة لـ"انفراد" وتقول "ألف رحمة ونور عليكى يا أمى، كانت عاملة حساب كل حاجة، كانوا زمان الجيران يروحوا عند الحداد مع بعض يعملوا المناقيش هناك، وانا كنت صغيرة اوى يمكن كان عندى 11 سنة ولسة فاكرة ماما وهى بتقولى ياللا عشان لما تتجوزى هديكى دول، واوعى ترميهم تديهم لبنتك وتوصيها إنها تديهم لبنتها، وفعلاً لما اتجوزت اديتنى المناقيش، اللى ماتت وسابت ريحتها فيهم وكل عيد أقول لبنتى نفس الجملة أوعى ترميهم وتوصى بنتك تديهم لبنتها، أصلهم غاليين أوى شافوا أحلى أيام وشافوا لمة أحلى ناس وفرحة العيد اللى بجد، وأغانى الكحك اللى كان المنقاش نفسه يسقف وإحنا بنغنيها".
أشياء بسيطة لكنها تحمل من المعانى الكثير، ومن الذكريات ما يجعلها أغلى من قطع الذهب فهى التى عاشت خير البيوت وشهدت على لحظات لن تعود إلا بالنظر إلى هذه الأشياء.