على إحدى أرصفة المحطات تقف تلك الفتاة الجميلة بثوبها القصير وتسريحة شعرها التى تشبه قصة شعر"السندريلا"، حاملة فى يدها حقيبة صغيرة وتتمايل بحذاء ذا كعب صغير، لتجذب انتباه كل المجاورين لها فى انتظار ذلك الاتوبيس الذى يستقلونه لمكان ما يذهبون، فتنجذب لها الأعين وتخفق لها الروح، فيتجرأ أحدهم ويقترب منها بخطوات هادئة واضعاً يديه فى جيوبه ويسوى شعره ويهندم ياقة قميصه ويقترب منها فيقول :" بنسوار ياهانم..تسريحة شعرك فى غاية الجمال".
هكذا كانت المعاكسة أيام زمان، منذ حوالى 60 سنة مضت، الوقت الذى كانت فيه مصر كقطعة من أوروبا من حيث الشكل والملبس، العصر الذى شهد الأمن والأمان لكل من يتجول فى الشارع ليلاً ونهاراً، ولم نستمع إلا قليلاً عن حالات التحرش والاغتصاب والخطف، كما عكست الدراما والسينما المصرية وقتها ما يحدث فى المجتمع المصرى، وكيف كان يتعامل الناس فى الشوارع والنوادى، وهى الصورة التى اختفت بشكل واضح فى العصر الحالى.
ورغم أن الفتيات المصريات فى ذلك الوقت كان يرتدن الفساتين القصيرة والمينى جيب، وكان المايوه البكينى أمراً عادياً للفتيات على الشواطئ وفى النوادى على عكس ما يحدث حالياً، إلا أن ظاهرة التحرش لم تظهر فى ظل هذا العصر، وهو الأمر الذى تدور حوله العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام، فكيف اختفى التحرش فى عصر "المينى جيب" وانتشر الآن؟
ورداً على هذا السؤال تجيب الدكتورة هالة منصور أستاذة علم الاجتماع، فتقول إن طبيعة الملابس التى اختلفت قديماً وحديثاً ليست هى السبب الأول والوحيد فى تفاقم أزمة التحرش، ولكن الأمر مرتبط بغياب القانون وعدم تفعيله بشكل جيد، وانحدار الأخلاقيات.
وأضافت منصور لـ"انفراد" أن الفتيات قديماً لم يعتادوا على التجول فى الشوارع كثيرا بمفردهم، كما أن الشاب لم يكن يجرؤ على "معاكسة بنت حتته" وكان هناك حرصاً وتخوفاً أكبر لدى لشباب فى المجتمع المصرى قديماً، أما الأن "فى بنات هى اللى بتعاكس الولاد".
وأوضحت أن المنظومة الأخلاقية انهارت حالياً، بالإضافة الى اختلاف طريقة تعامل الفتيات وملابسهن وأسلوبهن فى التعامل مع الجميع، وعدم تطبيق القانون والسلبية التى يعانى منها الشارع المصرى، أدى ذلك الى تفاقم ظاهرة التحرش.
وتابعت قائلة : " لو الناس شافت حالة تحرش فى الشارع دلوقتى كله بيقول أنا مالى، لكن زمان كانوا بيقوموا قومة رجل واحد على كل شاب اتحرش بواحدة وكان بيتم معاقبته عقاب مجتمعى بحلق شعره تماماً فيبقى معروف أن ده متحرش وظل هذا العقاب موجود حتى الثمانينات".