رغم انتقالها للقاهرة قبل ما يزيد عن عشرين عامًا لا تزال محتفظة بتلك اللكنة التى تثير تساؤلك حول مسقط رأسها، لتخبرك بفخر أنها من شمال سيناء، وبالتحديد من بدو سيناء، يشتغل فضولك أكثر لتعرف قصتها وكيف وصلت إلى هنا، وطرقت باب هذا العمل الذى لا يزال غير مألوف للنساء رغم انضمام العشرات منهن إلى شركات تأجير السيارات عبر الهواتف الذكية التى دخلت مصر مؤخرًا.
كان سيناريو حياة "سهير ربيع" مرسومًا بدقة، ككل فتاة فى سيناء، ينتهى حظها من التعليم عند الدبلوم أو الثانوية العامة، تنتظر سنوات أو شهور حتى يأتيها النصيب ثم تتزوج وتنجب وتربى الأبناء وتعيش فى كنف الزوج إلى أن يشاء الله، وإن انحرف المسار قليلاً ورحل الزوج أو انفصلت عنه، سرعان ما تعيش فى كنف غيره لأن المرأة ليس لها إلا بيت زوجها، ولا يجوز أن تعيش دون رجل.
إلا أن صدفة واحدة غيرت مسار حياتها بالكامل لتصبح امرأة عاملة تتحمل مسؤولية بيتها وأبنائها وتعمل على سيارتها لتضمن لهم حياة كريمة، وتحكى "سهير" عن هذه الصدفة لـ"انفراد": عام 1992 زرت القاهرة للمرة الأولى بسبب ظروف عائلية. كانت عمتى مريضة وأرسلنى أبى لرعايتها لأنها لم تنجب، وفى تلك الفترة رأنى زوجى، وأحبنى فتزوجنا بعد سنتين وانتقلت للحياة فى القاهرة بشكل نهائى.
الانطباع الأول لـ"سهير" عن المدينة الكبيرة لم يكن مزعجًا بالعكس تقول "اتمنيت أعيش فيها، حبيتها وحبيت الحياة فيها"، وبالفعل عاشت فى القاهرة وكانت الحياة مستقرة حتى 10 سنوات، حين توفى الزوج فجأة تاركًا "سهير" أرملة شابة دون وظيفة ولا تعليم عالِ وعدة أبناء.
وتقول "سهير": "فى سيناء الأهالى ما بيهتموش أوى بتعليم البنت، أنا حسيت بالمعاناة دى بعد ما جوزى اتوفى، كان معايا دبلوم وحاولت ألاقى شغل يليق بيا وبولادى وما لقيتش"، تضيف: ترك لنا زوجى قطعة أرض، عدة فدانات لم ينتهى من استصلاحها، فكانت مصروفاتها كبيرة ولم تجلب دخلاً بعد، لم أجد أمامى خيارًا سوى بيع الأرض ولكننى لم أحب أن أنفق كل ثمنها لأننى أردت أن أترك مبلغًا محترمًا لزواج أولادى أو تعليمهم تعليمًا جيدًا.
أبواب كثيرة طرقتها "سهير" وأفكار كثيرة راودتها وتقول "لقيت الفلوس اللى حوشتها بمد إيدى عليها وبصرف، حسيت بخوف وقلق وقعدت أدور على شغل"، فكرت فى سيارتها التى تركها زوجها وتجيد قيادتها وقررت تأجيرها لإحدى شركات إيجار السيارات بشرط واحد أن تعمل عليها بنفسها كى تضمن سلامتها ولكن لم تقبل أى شركة ذلك ففى 2009 لم يكن مطروحًا أبدًا أن تعمل امرأة كسائقة محترفة، فكرت فى أن تعمل على تاكسى، ولكن الفكرة قوبلت بالرفض التام من أهلها الذين قالوا إن ذلك لن يكون آمنًا لها وقد يعرضها للخطر.
استسلمت سهير للأمر الواقع لسنوات حتى قرأت إعلانًا لشركة "أوبر" تطلب سائقين ظنت الرفض سيتكرر ولكنها أصرت ألا تترك بابًا دون أن تطرقه وبالفعل فوجئت بقبولهم لها.
وتحكى عن يومها الأول "ولادى ساعدونى، ابنى الصغير علمنى إزاى استخدم الجى بى إس، وكان بيتابع معايا أول بأول"، أما متاعب العمل فى البداية فتقول "فى الأول كان فى ناس لما يكون مشوار بعيد ويلاقوا الكابتن ست يلغوا الطلب، بس لما بقينا ستات كتير وبقت الفكرة معروفة ما بقاش حد يعمل كده".
أما عن نظرة المجتمع وكيفية تقبل أسرتها التى لا تزال تعيش فى سيناء حتى الآن لعملها فتقول "إحنا بنربى البنات فى سيناء كأنها راجل، برة بيتها شخصيتها أقوى من الراجل، لكن فى البيت الكلمة للراجل طبعًا"، وتضيف "لو أنا شخصيتى ضعيفة كان زمانى رجعت سيناء واتجوزت تانى، زى ما تقاليدنا بتحكم، لكن أنا رفضت أدخل راجل على ولادى، وأهلى عارفين إنهم مربيين راجل، وطالما شغل شريف ولقمة بالحلال عمرهم ما يتضايقوا".