"هاجمنى كثيرون.. وعاتبوني: أنتِ تفضحين نفسك... ولكننى أعرف جيدًا أن قصتك ليس لها أى قيمة طالما هى قصتك وحدك.. ولكن وجعك يقل عندما يصبح رسالة تنقليها لغيرك" كانت هذه العبارة التى قالتها ببساطة فى مكالمتنا الأولى للتعارف من أجل نشر قصتها وتجربتها الناجحة فى تخطى العنف. وعلقت العبارة بشدة فى ذهنى وتكررت مرارًا بنبرة صوتها القوية.
فى تعارفنا السريع أكدت "رشا يحيى" الشابة الثلاثينية بفخر أنها تجاوزت ألم التجربة كثيرًا وقالت "أنا حاليًا بحضر ماجستير وبشتغل فى مجال صعب جدًا، أنا أخصائية تعديل سلوك للمدمنين فى أكثر من مصحة، وأنا البنت الوحيدة فى الفريق".
هذه الشخصية القوية التى تتكلم عن الألم برصانة وكأنه صداع عابر لم تكن كذلك قبل سنوات حين صدمت بعد 3 سنوات من الزواج من الرجل الذى أحبته و"حاربت الدنيا عشانه" كما قالت يتحول إلى شخص آخر لم تعرفه أبدًا، وتحكى باختصار عن البدايات "تقابلنا صدفة فى الفيوم أثناء دراستى هناك، وتعارفنا وتزوجنا عن حب. لم أثقل عليه فى التكاليف، تزوجنا فى شقتى ببيت أهلى بالعريش، وعشنا هناك 3 سنوات".
لظروف السيول التى باغتت العريش قبل سنوات، انتقل الزوجان الشابان للحياة فى القاهرة، حيث يعيش أهله، وتقول "فور انتقالنا للقاهرة فوجئت بشخص آخر لا أعرفه، أهله يتدخلون فى كل تفصيلة بحياتنا، وهو شخصيته ضعيفة جدًا.
بعد 15 يومًا تقريبًا فوجئت بالرجل الذى أحببته 4 سنوات، وساندته كما لم يفعل أحد يطردنى من بيته، ومن حياته كلها دون أن أسترد شيئًا من متعلقاتى أو حقوقى. طردنى وتزوج من أخرى، ورفض أن يطلقني".
5 سنوات قضتها "رشا" فى المحاكم فى محاولة لانتزاع حقوقها من زوجها ولم تفلح فى تطبيق حكمًا واحدًا عليه بسبب ثغرة فى القانون تقتضى أن تحدد الزوجة بنفسها عنوانًا يمكن الوصول للزوج فيه ليتم تنفيذ الحكم، وتقول "كان يغير عنوانه من وقت لآخر، وتغيب عن كافة جلسات المحكمة".
حملت "رشا" لقب "زوجة مع وقف التنفيذ" طوال 5 سنوات كاملة، فشلت خلالها فى العثور على زوجها أو حتى الانفصال عنه، لكنها لم تجلس كما "البيت الوقف" كما كان يتمنى أن يحدث، وبدعم من أسرتها التى ساندتها رغم معارضتها قرار الزواج فى البداية، بدأت "رشا" رحلتها نحو الخلاص.
تزامنًا مع محاولات الطلاق، قررت "رشا" أن تواصل دراساتها العليا، وقررت أن تغير موضوع رسالتها إلى التعافى من الإدمان، وتقول "فى اللحظة اللى دخلت فيها مستشفى العباسية حياتى اتغيرت" وتوضح "دخلت مستشفى العباسية كباحثة لأتعرف عن قرب على التعافى من الإدمان. بدأت أحضر الجلسات العلاجية مع المدمنين، وبرنامج الـ NA أو "برنامج الخطوات الإثنى عشر للتعافى من الإدمان، بدأت أكتشف أننى تحت تأثير حالة من الإدمان.
عرفت للمرة الأولى أن الإدمان لا يشترط أن يكون لمادة مخدرة، وإنما هناك أيضًا الإدمان على شخص. وبدأت تطبيق الخطوات الإثنى عشر للعلاج من الإدمان على نفسى، للتعافى من إدمانه، حتى أخذت القرار فعلاً وتمكنت من التنفيذ والحصول على الطلاق".
لم تحصل "رشا" على الطلاق عن طريق المحكمة، وإنما لجأت لذكاء الأنثى للحصول عليه وتقول "تواصلت مع زوجته، وطلبت منها أن تجعله يطلقنى، وفوجئت أنه يخبرها أننى أنا من يعرقل الطلاق لأننى وأهلى نريد مقابلاً ماديًا كبيرًا، رغم أننى تنازلت له على كل مستحقاتى كى يوافق على طلاقى وكان يرفض".
تضيف "المواجهة معها لم تكن سهلة، خاصة أنه رسم لها صورة سيئة عنى، ولكننى تحاملت على نفسى لأحصل على الطلاق من جهة، ولأننى أشفق عليها من جهة أخرى، لأنها هى الأخرى، ضحيته".
ما يقرب من الأعوام العشرة ضاعت من عمر "رشا" فى هذه التجربة التى تقول أنها علمتها الكثير، وأول ما علمتها إياه أن العنف ضد المرأة ليس بالضرب فقط "مجرد أن أعيش مع شخص لا أريده هذا شكل من أشكال العنف، المذلة وكسرة النفس أيضًا عنف" وتقول "خلال هذه الفترة أصبت بالكثير من الأمراض التى لم يعرف لها الأطباء سببًا عضويًا وأرجعوا أسبابها إلى الضغوط النفسية".
تعلمت رشا أيضًا "أن القوة مش إنك تستنى حد يفتح لك القفص.. لكن إنك تخرجى بنفسك من جواه... فى يوم من الأيام واحدة قالت لى مافيش حد بيزق عربية واقفة وموتورها مقفول" مشيرة إلى أن المرأة لابد وأن تأخذ هى الخطوة الأولى نحو الخروج من تجربة العنف، وألا تنتظر المساعدة على طبق من ذهب.