فى أحد الشوارع الهادئة، ومع بداية سطوع الشمس، تظهر الخضروات الطازجة وتنبعث رائحتها لتملأ الأرجاء، عندها يعلم الجميع بقدوم "أم ابراهيم" التى تبدأ عملها فى تنظيف الخضروات وتجهيزها لربات البيوت ليقمن بطبخها.
جسد نحيل، ووجه مبتسم وعيون تبعث بالأمل، ويد ملأتها آثار "السكينة"و"المقوار"، تجلس وسط خضرواتها الطازجة، وتبدأ فى إعداد الباذنجان، والكوسة، والبسلة، حتى تلحق بمواعيد زبائنها، الذين "يظبطوا" وجبات الغداء الخاصة بهم، ويحددوا أيام العزايم بناء على مواعيد "أم ابراهيم".
"بقور باذنجان وأعمل الخضار من 5 سنين"، بهذه الكلمات عللت "أم ابراهيم" ارتباطها الشديد بـ"فرشة" الخضار الخاصة بها، فى نفس الشارع الذى بدأت العمل به قبل سنوات.
وقالت :"بدأت تنظيف الخضروات لتجهيزها لعمل بعض الأكلات التى يصعب على المرأة العاملة أن تطهوها لأبنائها بدون مساعدة منى، وذلك بعد بعد أن هجرنى زوجى وترك لى 5 أبناء، مضيفة :" وقد ساعدنى عملى على تزويج بناتى الأربعة، واستكمال تعليم ابنتى الأخيرة وحصولها على ليسانس الآداب، وتعليم ابنى ابراهيم، والحصول على تكاليف المعيشة".
"معنديش أجازة ولا أعياد كل يوم هنا"، هكذا قالت "أم ابراهيم" مضيفة أنها تأتى إلى فرشتها فى تمام الساعة الرابعة فجراً، وتذهب قبلها إلى أحد الأسواق، لتختار الخضروات التى تحتاجها.
"زباينى حبايبى والشغل فى الصيف أكتر"، هكذا عبرت "أم ابراهيم" عن علاقتها بزبائنها بعد عشرة دامت لسنوات، مؤكدة أن عملها يزيد فى فصل الصيف لأنه موسم الباذنجان، وتقول عن ذلك :"الناس بتحبه أوى، وبعض الزبائن المهمين بيسألونى الأول ممكن أجهز لهم المحشى والملوخية امتى، ويحددوا معى أولاً مواعيد العزومات".
"نفسى أعمل عمرة قبل ما اموت" بهذه الكلمات عبرت "ام ابراهيم" عن أمنيتها الوحيدة فى الحياة وقالت:"عندى دلوقتى 51 سنة، والصحة كل يوم فى النازل، لكن نفسى أعمل عمرة قبل ما أموت، وألمس الكعبة بايدى، إيدى اللى باظت من كتر التعاوير بالسكينة والمقوار".
ولا تعتبر "أم ابراهيم" مجرد امرأة تعمل فى الشارع، بل إنها مثال حى للمرأة المكافحة التى تعول أبنائها، والتى قررت أن تساعد غيرها بعملها و"تدوقهم أحلى أكل".