بخطوات لا يشوبها أدنى تردد رغم تهيبه الشديد من الموقف، تقدم بملابس بسيطة وكيس بلاستيك صغير فى إحدى يديه، نحو الجموع المحتشدة أمام القبر، بدا شاذًا عن الصورة، ليس فقط لملابسه البسيطة مقارنة بالبدل الفاخرة، ولكن أيضًا بألوانها التى لا تتوائم مع هذا الموقف الذى يسيطر عليه الأسود بكثافة.
حاول أن يندس وسط جموع المعزين من شخصيات عامة وأقارب وأصدقاء، باحثًا عن الوجه الوحيد الذى يعرفه بشكل مباشر بين هذه الوجوه التى يجهل غالبيتها، إلا أن عيون رجال الأمن التقطته فورًا وطلبوا منه المغادرة، تمتم بتردد "ليه يا بيه هو أنا مش واحد زى باقى الخلق دي" ولكنه لم يتمسك كثيرًا بموقفه ومشى بخطوات متثاقلة لينسحب تدريجيًا من المشهد، أمام مقابر عائلة "هيكل" بمصر الجديدة، التى شهدت الصفحة الأخيرة من حياة "الأستاذ".
لم يكن "ممدوح دسوقي" (42 عامًا) يعرف "الأستاذ" محمد حسنين هيكل أكثر مما يعرفه أى مواطن بسيط، ولكنه فور أن علم بخبر وفاته ومكان الدفن قرر أن يأتى فورًا كما قال لـ"انفراد"، مضيفا: "أنا عارف إنه أكيد حالته مش هتبقى تمام النهاردة، بس جيت أعزيه، وأعرف امتى ميعاد العزاء.
ويوضح: "أنا كنت مجند من يجى 20 سنة، وخرجت صحي، بسبب ضمور فى الكلى، وحاولت بعدها اشتغل شغلاً خاصاً واتمرمطت باليومية فى أكتر من شغلانة بس ما كملتش، أصحاب الشغل الخاص بياخدونا لحم ويرمونا عضم، ودلوقتى ما بقتش صحتى حتى تسمح لى أشتغل".
"400 جنيه ومعاش وعمرة لأمي" هكذا اختصر "ممدوح" طلباته من أى مسئول يمكنه مساعدته حيث قابل "ممدوح" الذى يعيش فى قرية بالقناطر الخيرية قبل عامين فى عزاء المنتج والسيناريست الراحل "ممدوح الليثى"، ابنه الإعلامى "عمرو الليثى" وعرض عليه المشكلة نفسها، بعد أن طوى بمرارة حلمه بأن يكون له أبناء، حيث لم يعد متزوجًا لأنه لا يملك من المال ما يكفى ليفتح بيتًا ويقول: "ياريت عندى ولاد.. أنا كنت متجوز وغصب عنى طلقت.. ماليش ست وباكل من الشارع".
