هناك معادن تبلى بالزمن وفى مقابلها معادن أخرى تزداد بريقاً وتوهجاً ولمعاناً كلما أوغلت فى القدم ، وكذلك البشر، فمنهم من يبلى ويموت حقيقة بالموت ، بينما بعضهم يستمر حياً يسعى رغم موت الجسد ومن هؤلاء جمال عبد الناصر
فرغم مرور اربعة عقود ونصف على رحيله لازال الرجل حاضراً مع الناس فى كل حادثة وفى تفاصيل المواقف.
يتذكرونه فى الملمات والشدائد كواحد من الأولياء الصالحين، ويلوذون بسياساته فى حماية الفقراء وتعديل مسار حياتهم، ويستلهمون مسيرته فى ارساء دعائم مجتمع العدل الاجتماعى ودولة المواطنة الحقيقية
و تبقى العلاقة بين المصريين -أو غالبيتهم -و زعيمهم الوحيد مثار حقد دفين من خصوم جمال عبد الناصر، فلماذا يخبىء المصريون جمال عبد الناصر فى نقطة ما داخل قلوبهم؟ لماذا فشلت مئات الحملات الاعلامية التى استهدفت الرجل فى قبرهفى النيل منه؟
كيف فشل هؤلاء الذين امتلكوا كل شىء فى إفساد العلاقة بين غالبية المصريين وذكرى جمال عبد الناصر؟
و متى يستطيع هؤلاء انتزاع عبد الناصر من قلوب المصريين ؟
كل هذه الأسئلة يطرحها هؤلاء بلا خجل ولا وجل .. نعم هم يريدون نزع جمال عبد الناصر من القلوب حتى لو اضطروا فى نهاية المطاف نزع تلك القلوب من صدور اصحابها.
والشاهد فى تلك المعارك والحملات على الرجل الذى يتجدد فى قلوب المصريين عبر أجيال لم تراه ولم تعايشه..
أنهم يريدون التخلص من إرثه فى مشاريع التنمية الحقيقية والعدالة الاجتماعية و تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروات والاستقلال التام عن التبعية للرأسمالية المتوحشة..
هذا هو مربط الفرس فى الصراع مع جمال عبد الناصر الفكرة التى لا تموت والمشروع الذى يتجدد فى الضمير الجمعى للشعب المصرى، والذى بلغ مداه فى ثورة 25 يناير التى حملت شعارات هى فى جوهرها تمثل جوهر معارك جمال عبد الناصر حتى رحيله فى 28 سبتمبر 1970
من يكره جمال عبد الناصر لا يكره شخصه فالشخص مات والجسد الى القبر ذهب والروح إلى بارئها خرجت منذ سنوات بعيدة،من يكره الرجل يكره مشروعه ، مشروعه التنموى القائم على العدل والمساواة والتكافؤ والكرامة الانسانية والعزة الوطنية، مشروعه الوحدوى العروبى القائم على توحيد امة ليس لها خيار اخر سوى الوحدة ، مشروعه التحررى لكل شعوب العالم التى تتعرض للإستغلال..
هذه المشروعات التى يكرهها خصوم جمال عبد الناصرعلى مستوى العالم ويقوم على هذه الكراهية وكلاء لهم فى الداخل المصرى والعربى
المعركة حول عبد الناصر هى معركة اقتسام الثروات بين الناس بالعدل والكفاية وعلى اساس الكفاءة والمقدرة،وهناك من يعيش بين ظهرانينا ممن يكره تلك القصة بكاملها و يستنكر فكرة الاقتسام العادل للثروة والسلطة بين ابناء الوطن، ويريد ان تبقى الثروة فى ايدى قلة قليلة تنعم بكل شىء وأغلبية فقيرة "كويس انها عايشة"
و تبقى الملاحظة الحاسمة ان جمال عبد الناصر كان حاضرا بقوة فى مشهدين من اهم مشاهد العقد الثانى من هذا القرن عندما خرج المصريون يرفعون صوره فى 25 يناير 2011 مطالبين بالعيش والحرية والكرامة الانسانية، ثم لم يلبسوا ان خرجوا بكثافة غير مسبوقة فى 30 يونيو 2013 يرفعون صوره منددين بسياسات جماعة الإخوان الارهابية ليسقطوها عن حكم مصر
وهكذا يثبت جمال عبد الناصر انه من معدن شديد الندرة يزداد لمعاناً وتوهجاً مع الأيام، وكلما ازدادت الأيام قسوة وصعوبة على المصريين يعبرون عن افتقادهم لجمال عبد الناصر..الشخص والسياسة والمشروع