جلست كعادتها تنتظره ، فهي لم تمل الانتظار يومًا منذ أن عرفته ، ولكنها المرة الأولى التي تنتظره وبقلبها شيء من خوف ، إلى متى ستظل الثانية بحياته ؟ و إلى متى ، تعيش معه في الظلام ، حتى لو هذا الظلام هو ما ينير حياتها ويعطي لأيامها لونا غير لون الحزن القاتم ، لكن منذ متى يولد الحب من رحم الخوف ؟، منذ متى الحب يعيش بلا هواء، لا يتنفس إلا لحظات ، تنفسا صناعيا قد لا يدوم ،
لابد وان تحسم الأمر الآن .. إنه صرح لها بأنها لن تكون إلا زوجة ثانية .. ، فهل تستطيع هي أن تقبل بالأمر وهل تحتمل أن تظل الأخرى ،الثانية ،الجديدة، بعض وقت، وبعض حب، وبعض اهتمام ،هل تستطيع أن تخرج للمجتمع بنصف اكتمال ؟.. إنه الحلال ولا غبار عليه ..ولكن أيقبل المجتمع بكل عجرفته البليدة هذا الحلال ؟.. سينعتونها بالسارقة ..هادمة البيوت ..خاطفة الرجال .. هل تستطيع الصمود وأن تعاند فكر اعتلاه غبار الجهل وقلة الحيلة والثقافة والدين ..إنها مثقفة واعية وتعرف معنى الحرية والاختيار وتتكلم عنهم بكل مناسبة وضرورية الحياة بمنطق الرغبة والحاجة وإرضاء النفس .. ولكنها هنا وبحياتها لا تستطيع تطبيق نظرياتها التي تتشدق بها ليل نهار ..
فهل نحن نتكلم بطلاقة ونستطيع سرد أدق وأعمق النظريات وحين نلتحم بالواقع لنطبق المعتقد نجبن ونعود للخلف بلا هوادة بنفس قوة الفرار من خوف مجهول ..
طلبت فنجان قهوة مضبوط ، علها تستطيع ضبط إيقاع الخوف والحيرة ،، ولكن هيهات لها ،،جلست تنظر وتندهش ،وذهبت في ما حولها لبعيد كعادتها لا تتردد في تعرية اللحظات من مضمونها ولا تدعها تمر دون تفتيت وأخذت تبعثر محتويات المكان بذهنها العاصف ، الشمس كانت بعيدة تُلَوح بقرب الرحيل تاركةً وراءها سماء دموية والجو بارد كصقيع يدخل الجسد بلا تلطف ، وكان صبى القهوة يجئ ويروح كفراشة تحط هنا وهناك بابتسامة مشرقة وكأنه يقول أنا كل شيء هنا وبغيري لا تكتمل الصورة ،
نظرت إليه فظن أنه تأخر فجاء إليها و بادرها بالاعتذار بأدب إلا أنها ابتسمت له مُطَمئِنَةً إياه أنها سعيدة بالانتظار وقالت له : ولا تنسى وش القهوة .
عادت لنفسها تختلي بها ومعها ، تفتش فيها عن معاني تجتاحها كسيل ينحدر من على ربوع الذكريات ،، ماذا تفعل ؟ هي تحبه ولكن الثانية ليست كالأولى ،،
كم هي المرات التي نستطيع أن نواجه فيها ذاتنا؟! ، كم هي المرات التي نصمد فيها ونعرى حقيقتنا ونقبل النقص فينا ونحاول جبر كسر ما بنا من ألم ، هي لحظات كالشاردة ، كلمحة بصر ، نظرة لما وراء الممكن ، بعد عالم الحقيقة ، أصبحت تعبث في منطقة الشك ،
ولكن لما كل تلك الحيرة إنها متعلمة ومثقفة وتملك الإرادة لتغير الواقع على من نعول في تغيير المفاهيم إذا لم نفعل ذلك نحن المثقفون
تبا للعادات القميئة المجتمع به ما به من عنوسة وقلة زواج لظروف كثيرة وحلها بسيط الزواج الثاني .. ولكن حالتي تختلف أنا أحب أحمد ولن أمتطي فروسية الشجاعة لتغير مجتمع .. فحتى أنا لا أستطيع مواجهة أهلي بهذا الزواج ..لا ينقصني شيء لأكون الثانية ،، ولكن لما النقصان ؟ ألا يكفي الحب ؟
نحن أجبن من الوقوف في وجه التيار ونستسلم دائما للتقاليد بغباء ..
استيقظت من أفكارها على صوت الصبي وهو يقول : القهوة المضبوطة وأجمل وش ، ابتسمت له
ونظرت للفنجان وأغمضت عينيها وبدأت تشم الرائحة وتستمتع ،تُسكِرُها تلك الرائحة وبدأت تستعد للرشفة الأولى ولكن راعها
ما رأت .
إنها ترى بالفنجان حفرة عميقة سحيقة مظلمة ، حفرة تدور كدوامة تصدر عن جنباتها مثل أمواج صغيره وكلما دارت ازداد العمق وهي تنظر وكلما نظرت دخلت وسقطت حتى اكتشفت فجأة أنها بالداخل وحولها ظلام حالك وحيدة في منتصف تلك الدوامة ، وما زالت مستمرة في الهبوط وتمر في هبوطها على ذكرياتها التي تعنفها ماذا فعلتي كي تصلي إلى هنا ، ستموتين حتما ، إنها لحظاتك الأخيرة ، ظلت تغوص بمشاعرها وترى كل شيء حولها ببصيص ضوء يأتي من بعيد ، ترى نفسها عارية من كل شيء ، ترى ضعفها لأول مرة بوضوح وجلاء وسط تلك العتمة ، ترى ضعفها من مواجهة الناس بما تريد ترى ضعفها وهوانها على أن تتمسك بمن تريد تخاف هي ضعيفة إذن فلتصمت للأبد ولا داعي أن تتكلم كلمات تموت على شفاها لا تتعدى حنجرتها ،، لن تتكلم عن الحرية بعد الآن فلتمتنع عن النفاق ،، لماذا لا نحاسب أنفسنا ولا نواجهها إلا في لحظات الخطر الأخيرة ، وتبدأ بالصراخ لا أحد يسمع لا أحد معها هي بمفردها ، كيف سقطت بالحفرة لماذا لم تتمسك بالأسوار وتحتمي من تلك الأمواج كيف لم تحطط لنفسها إنها تنزلق لأسفل بسرعة وسهولة .. والكل ينظر إليها يتخطفونها من يد ليد النظرات قاسيات لا لن تحتمل ،،
كيف جئت إلى هنا ؟ ماذا فعلت ؟ أهي النهاية بتلك القتامة ؟ ألا أستطيع التخلص من تلك الحفرة إنها ورطة أن أكون على تلك الحالة من الضياع ، أ ثمة أمل بالنجاة ، وبدأت تفكر في الصراخ أكثر و أكثر ولكنها اكتشفت أنها لا تملك صوت ، بكت ولكن بلا دموع ، أين دموعها ، إنها لا تستطيع فعل أي شيء سوى الهبوط . الهبوط الذي يجذبها بسرعة لا تستطيع مقاومتها ، أهو قدرها ، فلتغمض عينيها إذن وتستسلم ،
لا لن تستسلم ، لن أستسلم سأصرخ وستسمعني نفسي وتنقذني إنها معي الباقية لن تتركني ، وبدأت تصرخ من جديد وسمعت صوتها يعود إليها تشبثي تشبثي .
فماذا ستفعل أتتمسك بالحب وتجابه جبهات عدة أم تستسلم وتهرب
أيوجد شيء بالقهوة ، أهي سيئة تحدث إليها صبى القهوة وعلى وجهه حيرة وحزن مكرر ألا تعجبك فأغيرها
انتبهت له وقالت أنها لم تتذوقها بعد ولكنها جميلة بل أجمل قهوة احتستها في حياتها ومدت يدها وأخرجت حافظة نقودها من حقيبتها وحاسبته ، وانصرفت، وقررت أنه ليس هناك داع للانتظار .
لن يجدي الاستمرار بعلاقة ليست لها نهاية إلا رفض المجتمع ولوم الأهل وبكاء و عويل و لن تقوى على الصمود تحت لواء الزوجة الثانية في مجتمع لم يتقبل بعد الأخرى ، وقامت لترحل وقالت لنفسها وهى تبتسم لقد نجوت من الحفرة . . ولكن إلى متى الخوف من تغير واقع مليء بالأخطاء .. وقررت أن تمتنع عن الكلام وأن تلتحم بسرب الجبناء ماذا يضير العالم لقد فقدت هويتها وحريتها وارتضت العودة والانسياق سحقا للحرية فلها تبعات .