قد يكون وصول الجنرال ميشال عون لسدّة الرئاسة اللبنانية، الاستحقاق الأسهل، بين جملة استحقاقات ينتظرها اللبنانيون وما دفعه الرئيس الجديد، لخصومه من أجل الوصول للرئاسة، ليس أكثر من عربون، فيما تنتظره دفعات أخرى عند كل استحقاق يواجهه طوال مقامه في قصر بعبدا.
والذين تنفسوا الصعداء، من أنصار الجنرال، بعد التصويت الماراثوني له في مجلس النواب اللبناني، هم المتعجلون الذين نظروا للرئاسة باعتبارها هدفهم الأول والأخير، بغض النظر عن مفاعيلها على الأرض، والأثمان التي يتعين عليهم دفعها.
فالرئيس عون الذي كان رئيسًا لتيار يدين له بولاء مطلق، والذي كان له حليف أو حلفاء محددو الملامح، وواضحو المطالب، هو اليوم أمام مشهد مختلف كليًا فهو اليوم “بي الكل” وهو بهذه الصفة مطالب بتحقيق توازن دقيق بين مصالح ومطالب أنصاره وحلفائه القريبين، الذين ساندوه في السعي للرئاسة، وبين شروط خصومه، الذين أعطوه طوق النجاة والفوز في اللحظة الأخيرة.
وهو مطالب أيضا بالموازنة بين شركائه الجدد، وحلفائه القدامى من الأفرقاء السياسيين، والتحرك إقليميًا ودوليًا ضمن قواعد عمل جديدة، تأخذ بعين الاعتبار أن الاستحقاق الرئاسي ما كان ليتم بهذه الصورة، لولا الرضى، أو السكوت الخارجي.
الانتقال من الرابية حيث كان يقود الجنرال معركته من أجل الوصول إلى الرئاسة، إلى قصر بعبدا، حيث يقود معركته في مواجهة الأزمات المؤجلة، كان صعبًا وطويلا لا شك، لكنه لن يكون بصعوبة وثقل ما ينتظره خلال السنوات الست المقبلة التي يقضيها في سدة الرئاسة.
فالشركاء الجدد لعون أعطوه تأييدًا مشروطًا، فيما الحلفاء القدامى يربطون استمرار تحالفهم باستمرار القواسم التي ربطتهم بالتيار العوني، والمتمثلة بأجندة محلية متشعبة، وارتباطات إقليمية مختلفة، وهذا المناخ الذي تعمل فيه الرئاسة اللبنانية الجديدة قد لا يكون مناسبًا لصياغة إجماع وطني فعّال، يحتاجه الرئيس الجديد في مواجهة الأزمات المستعصية.
التشكيل الحكومي المنتظر، الذي بدأ احديث عنه، منذ الساعات الأولى لفوز عون، بل وحتى بعد الإعلان عن التوافق على تسميته للرئاسة، قد يكون الاختبار الأول الذي سيواجهه الرئيس عون، فهو ليس حرًا في اختيار من يريد لتشكيل الحكومة، بل هو ملزم أدبيًا وسياسيًا بتكليف من أعطى كلمة السر التي أوصلته للرئاسة.
والتكليف بحد ذاته قد لا يثير مشكلة بين الأفرقاء، لكنه قد يصبح عند بدء خطوات التشكيل الحكومي معضلة الحكم، وسببًا جديدًا من أسباب الإحباط التي واجهت لبنان ووضعته أمام مشكلات مزمنة لا يحلها إلا توافق وطني وتفاهم سياسي.
في المرات السابقة كان سبب تعثر تشكيل الحكومة، هو إصرار فريق المعارضة على الاحتفاظ بما يعرف بالثلث الضامن، الذي يعني عمليًا إعطاء عدد من الوزراء، لا يقل عن ثلث أعضاء التشكيل الحكومي الفيتو، على بعض القرارات الخلافية وتعطيل إصدارها إلى حين التوافق السياسي عليها خارج الحكومة أو خارج مجلس النواب.
وفي الحالات السابقة كان الاعتماد في هذا، على الوزراء الذين يسميهم الرئيس أو يمثلونه في الحكومة، لتعطيل الفيتو أو تفعيله، أيًا كانت المصلحة التي تحمي الإجماع الوطني، أو تحافظ على التشكيل الحكومي وتمنعه من السقوط، كان ذلك يتم على اعتبار أن الرئيس محايد ومن يمثلونه في الحكومة محايدون أيضا.
لكن هذا الحال لا ينطبق على الجنرال عون اليوم، فالفريق الذي يمثله في الحكومة، لن يتخلص من آثار تحالفات الجنرال السابقة كتحالفه مع حزب الله، ولن يبرأ من شبهة صداقته لسوريا، مما يجعله حذرًا على الدوام في التصويت تأييدًا أو رفضًا لقرار شركائه الآخرين في التشكيل.
في بلد مثقل بالأزمات بدءًا من الخلاف على قانون الانتخاب، والخلاف على إصدار بعض القوانين وتوقيع الاتفاقيات الخاصة باستثمار الموارد الطبيعية والنفط والغاز، ومرورًا بأزمة الكهرباء المستعصية، وانتهاء بالنفايات المتراكمة في الشوارع والطرقات، فإن عمل الحكومة يظل عرضة للتعطيل والتأخير، وهو ما يعني إصابة عمل الحكومة اللبنانية، بالشلل وإفراغ الرئاسة من مضمونها ودورها، لتتحول إلى فزّاعة في مواجهة أي فراغ جديد.