لست بالتأكيد مع الدعوات المتهورة للتظاهر ومحاولة إسقاط الدولة التى خرجت خلال الأيام الأخيرة ـ دون وعى ـ بطبيعة المؤامرة التى تحيط بمصر من الداخل والخارج، إلا أننى فى ذات الوقت لا أعفى الحكومة من الفشل والتقصير الواضح فى اتخاذ العديد من الخطوات التى كان من الممكن أن يجنبها الاقتراض، والوصول بمستوى الاقتصاد إلى مثل هذا المستوى من التدهور، أو وضع مزيد من الأعباء على المواطن الفقير، بمجرد إجراءات بسيطة للسيطرة على أموال الدولة المنهوبة
فلا أدرى لماذا لم تسع الحكومة حتى الآن إلى ضم أموال الصناديق الخاصة إلى الخزانة العامة للدولة، على الرغم أن عدد تلك الصناديق يصل إلى نحو 6000 صندوق، وتجمع نحو 500 مليار جنيه سنويا، بدلا من تركها دون رقابة فى أيدى آلاف اللصوص، لإنفاقها على الحفلات والهدايا والمكافآت للمحاسيب دون وجه حق، وبدلا من الإسراع بتعديل القانون رقم 53 لسنة 1973 الذى سيتم بمقتضاه إلغاء تلك الصناديق، طلب الحكومة من مجلس النواب تأجيل التعديل، على الرغم علمها أن أموال تلك قد تغيير من وجه الاقتصاد المصرى، وانها باتت منذ سنوات تمثل ـ الباب الخلفى ـ لفساد بعض قيادات الجهاز الإدارى للدولة من (وزراء، ومحافظين، ورؤساء مراكز ومدن، ورؤساء أحياء، ووحدات محلية وقروية)
ولا أدرى كيف للدولة، القومية، لم تتمكن بسطوتها، من استعادة نحو 142 مليار جنيه منهوبة لدى عدد من رجال الأعمال، بعد أن قامت الدولة منذ سنوات ببيع (مليونى و968 ألف فدان) على 3 طرق صحراوية هى (مصرـ إسكندرية ومصر ـ الإسماعيلية والقاهرة ـ السويس) لعدد 645 شركة تابعة لـ 350 من رجال الأعمال بـ(ملاليم) في 30 منطقة بتلك الطرق، بغرض استصلاحها وزراعتها، وإحداث تنمية تساهم فى نهضة مصر زراعيا وصناعيا، إلا أن هؤلاء قاموا بتحول تلك الأراضى (علنا) إلى منتجعات سياحية، بل وقام عدد منهم بيعها للغير، وجنى عشرات المليارات من الجنيهات
ولعل الغريب فى الأمر أيضا، أن الحكومة تمتلك من السلطات ما يمكنها من استعادة ذلك المبلغ الضخم الذى خرج طبقا لتقديرات الهيئة العامة لمشروعات التعمير بوزارة الزراعة، التى تمتلك معلومات وأرقام كاملة عن حجم تلك المخالفات
ولا أدرى كيف تتقاعس الدولة، بدلا من إرهاق كاهل الفقراء بالضرائب وزيادة أسعار الخدمات الأساسية، عن تقنين أوضاع 650 شركة حصلت على مليوني و968 ألف فدان فى أماكن مختلفة فى مصر، ولم تقم بتقنين أوضاعها حتى الآن، منها 4 شركات استحوذت على مساحة تصل إلى 500 ألف فدان في مطروح، ووادي النظرون، والوادى الجديد، فى الوقت الذى لم تقم فيه الدولة بتقنين أوضاع واضعى اليد أيضا على أراضى الدولة فى مناطق (الخطاطبة، والبستان، ووادى النطرون، وبرج العرب ومطروح، والصندوق، والرمال، والبوصيلى) والتى تصل مساحتها إلى 525 ألف فدان، وهو ما ينسحب أيضا على أراضى الدولة فى (سيناء وبورسعيد والسويس والإسماعيلية) وأيضا على الأراضى بـ(محافظات الوجه القبلى) التى تبلغ مساحتها مليونى و300 ألف فدان.. وهو الإجراء الذى من الممكن أن ينعش خزينة الدولة بمليارات الجنيهات أيضا
كما لا أدرى كيف لم تستطع الدولة السيطرة على منظومة السفه فى الإنفاق الموجودة فى أغلب القطاعات الحكومية، أو الدفع بتشريعات للقضاء على الفساد، أو التحلى بالقوة وإلغاء منظومة الدعم التى أذلت بها الفقراء، على الرغم من أنها تلتهم جزءا ضخما من الميزانية العامة للدولة، وتعلم الحكومة يقينا، أن الجزء الأكبر منها يذهب إلى جيوب مافيا القمح، والمطاحن، والمخابز، وموردى السلع، وتجار البقالة التموينية، وإنه قد أن الآوان للبحث عن وسيلة للوصول بالدعم النقدى لمستحقيه
تحركوا لا رحمكم الله، فإجراءاتكم لن تنقذ البلاد، ولكنها ستزيد الفقراء فقرا، وتؤدى إلى عواقب اقتصادية واجتماعية لا يعلم مداها إلا الله