دخلت نائبة المحلة الكبرى إلى مكتب الدكتور محمد شرشر وكيل وزارة الصحة بالغربية وهى تزهو فخراً..
كانت قد استمعت لتوها لمكالمة اللواء احمد ضيف محافظ الغربية لوكيل الوزارة والذى يأمره بشكل واضح بضرورة تلبية طلبها، والخاص بنقل أحد الأطباء من مستشفى بسيون المركزى إلى مستشفى المحلة العام.
الدكتور شرشر لم يجد بداً من الموافقة على طلب النائبة بعد تدخل المحافظ ، واخذ شرشر يعاتب النائبة لأنها – قبل ذلك أيام - نجحت بضغوطها على المسئولين وأجبرتهم على نقل طبيب من محافظة الغربية إلى محافظة القليوبية بدرجته المالية وهو ما اخل بدرجات المحافظة التى كان يجب توفيرها لطبيب أخر ..
النائبة قالت "لا يهم ، المهم تلبية طلبات انصارى ورجالى ، و عندك الدكاترة مالين الدنيا، هات واحد مكانه"
المهم ان وكيل الوزارة رأى أن من الأفضل له أن يستجيب لطلبات النواب مباشرة فى ظل أنهم يستطيعون الحصول على موافقة من هم أعلى منه.
شرشر كان فى لقاء مع قيادات شعبية من مركز بسيون لبحث مشكلة النقص الحاد فى الأطباء بمستشفى بسيون المركزى، وإذ بنائب اخر يدخل ومعه حقيبة من طلبات المواطنين ، وكلها تتعلق بنقل اطباء و ممرضات من المستشفيات التى تعمل إلى أماكن لا عمل لها ولا دور طبى |أصلاً.
وانصرف وكيل الوزارة عن أهالى مركز بسيون و طلباتهم فى توفير اطباء للمستشفى، إلى توقيعات بالموافقة على طلبات نواب وكلها تصب فى خدمة تخريب قطاع الصحة لصالح توفير شعبية وهمية للنواب.
ولما حاول أحد الحضور – لم يكن نائباً للأسف- لفت نظره وأن هذا لا يصح و أن مصالح المرضى مقدمة على مصالح الأطباء، أجابه بإختصار بأنه لا يستطيع رفض طلبات النواب، لأنه لو رفضها يوافق عليها المحافظ او الوزير .
و الحقيقة الواضحة للعيان فى محافظة الغربية – كنموذج – أن الشعب أصبح فى خدمة النواب وفى خدمة مشاريع بقاءهم فى البرلمان، وليس كما ينبغى أن يكون النواب فى خدمة الشعب وتحقيق تطلعاته فى خدمات أفضل لا سيما فى قطاع الصحة.
فلس معقولاً أن يقول نائب مركز المحلة الكبرى بالفم المليان لوكيل الوزارة "الطلب دا بالذات لا يمكن إهماله ، دا جاى من طرف العمدة فلان، والعمدة دا معاه مفاتيح الناحية كلها".
ولك ان تتخيل أن أن تلبية طلب العمدة الذى يملك مفاتيح الناحية التصويتية ليس سوى تعطيل الخدمة الصحية فى منطقة ، وتوفير طبيب ليكون بلا عمل حقيقى فى مكان أخر.
ولك ان تتخيل – أيضاً- إكتظاظ مستشفيات كالمنشاوى العام والمحلة العام بالأطباء لدرجة أنهم غير معروفين لبعض مما يسهل لهم التوهان فى الزحام والفرار من العمل أو عدم الذهاب للعمل من أصله، فى الوقت الذى تعانى مستشفيات اخرى من نقص شديد فى العديد من التخصصات، وتعد مستشفى بسيون المركزى نموذج صارخ لذلك الأمر.
والواقع الذى نحياه منذ تشكل هذا البرلمان هو أنه فى خدمة النواب ولاشىء اخر.
فحتى لا تجلب الحكومة لنفسها وجع الدماغ مع النواب فى البرلمان ، اضطرت لمبادلتهم خدمات خارج القانون لهم ولأنصارهم فى دوائرهم، كبديل عن ممارسة حقهم الشرعى فى الرقابة والتشريع.
سلم النائب للحكومة بحقوقه فى الرقابة والتشريع، وسلمت له الحكومة كارت اخضر يفتح له أبواب مكاتب المسئولين لتوقيع طلباته المخربة لكل شىء فى البلد، وهى بالفعل طلبات مخربة لأنها تنقص فى جانب وتزيد فى جانب أخر بدون وجه حق، فالمكان الذى ينقص لا يستطيع القيام بعمله "تخريب" ، والمكان الذى به زيادة لا تقوم بعمل "تخريب".
و للعلم فى لقاءات كثيرة مع مسئولين محليين استمعت منهم على استحياء بما يفيد ان لديهم تعليمات حكومية صريحة و قوية بــ "إحتواء النواب وترضيتهم".
وهذا الإحتواء كما فهمت يكون عبر تلبية كل طلباتهم والتى دائماً ما تنحصر فى نقل مدرسة من مدرسة الى اخرى بدون وجه حق ، او نقل طبيب من مستشفى إلى أخر ، او نقل ممرضة من مستشفى إلى وحدة صحية، وللعلم هناك شكاوى كثيرة من إدارة التمريض بمديرية الشئون الصحية بالغربية من عشرات الطلبات للنواب كلها بنقل الممرضات من المستشفيات إلى الوحدات الصحية المكتظة ليصبحن بلاعمل حقيقى.
لقد أصبح الشعب "سبوبة" لقطاع من النواب يزعمون انهم ينوبون عنه ويمثلون مصالحه، بينما هم لا يمثلون سوى مصالحهم الصغيرة التافهة التى تتمحور حول تقديم ما يظنونه خدمات لبعض أبناء الدائرة جرياً وراء أصواتهم فى المستقبل، والنتيجة الحتمية هى أن مصالح الأغلبية الكبيرة من ابناء الشعب تضيع فى الرجلين.
اتفق النواب والحكومة فكانت الضحية هى الشعب، كلاهما بحث عن مصالحه والتى تتمثل فى البقاء الهانىء لكليهما على المقاعد الوثيرة، بينما مصالح الشعب لا يبحث عنها احد..