شكل قرار البنك المركزى فى الثالث من نوفمبر الجاري بتعويم الجنيه المصرى، أى جعل قيمته مقابل العملات الأجنبية وفى المقدمة منها الدولار الأمريكى، خاضعة لقوى العرض والطلب، نقطة فاصلة فى الاقتصاد القومى.
فقد استطاع بالقرار أن يواجه وبشكل كبير أزمة ظل يعانى منها الاقتصاد القومى والتى تتمثل فى أزمة الدولار الأمريكى وما استتبع ذلك من تأثر واضح فى تكاليف الاستيراد والتى انعكست آثارها السلبية على أسعار السلع فى أسواق المستهلكين.
ومثل ذلك كله أزمة لدى البنك المركزى الذى كاد يعانى نقصا واضحا فى احتياطى العملات الأجنبية، بسبب تراجع عوائد الدولة من النقد الأجنبى والتى تمثل السياحة أحد مواردها الأساسية فضلا عن تحويلات العاملين بالخارج، وهى عوامل تمثل إفرازا طبيعا للأحداث السياسية التى تتعرض لها البلاد منذ احداث يناير2011.
وزاد الأمر سوءا الممارسات الاحتكارية للدولار الأمريكى تحديدا، وتعمد بعض التنظيمات لافتعال أزمات إقتصادية لأهداف سياسية.
فبعد حوالى ثلاثة اسابيع من تطبيق قرار تعويم الجنيه ، شهدت سوق صرف العملات الأجنبية تذبذا فى سعر الدولار والذى تم تحديدا بقيمة 13.5 جنيها كسعر استرشادى حدده البنك المركزى فى بداية تطبيق القرار، وتراوح السعر فى حدود 4 جنيهات ارتفاعا وانخفاضا حيث لامس فى بعض الأحيان مستوى 18 جنيها،وقد وصل متوسط السعر 17.4 جنيها حتى كتابة هذه السطور.
وبحسب بعض الخبراء ومتعاملين فى سوق المال فان حدود 4 جنيهات قابلة للتغيير وسط توقعات بتراجع السعر إلى أدنى من 10 جنيها خلال شهور قادمة.
غير أنه ورغم حالة التذبذب فى سعر الدولار الأمريكى ، إلا أن ايجابيات القرار تمثلت فى زيادة حصيلة البنوك من أرصدة النقد الأجنبى بعد أن ترك لها البنك المركزى حرية تحديد اسعار البيع والشراء وفقا لقوى العرض والطلب، فزادت الحصيلة الدولارية لدى البنك المركزى الذى يعد بنك البنوك.
ساهم أيضا فى علاج مشكلة الدولار السندات الدولارية التى قامت الحكومة بطرحها فى البورصات العالمية، فضلا عن موافقة صندوق النقد الدولى على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار تسلمت الشريحه الأولى منه بواقع 2.75 مليار دولار، هذا بجانب المساهمات الخليجية التى شكلت قوة جديدة فى سوق صرف العملات الأجنبية.
ترتب على القرار أيضا أن فاقت أسعار صرف الدولار الأمريكى فى بعض البنوك نظيرتها فى سوق الصرافة الرسمية مما دفع بالمتعاملين للاتجاه نحو البنوك، فكانت النتيجة النهائية هى ضرب السوق السوداء لصرف الدولار.
غير أن قرار دعم استيراد السلع الأساسية جمركيا ساهم وبشكل غير مباشر فى عودة السوق السوداء لصرف الدولار خاصة مع عدم دعم استيراد السلع غير الأساسية وهو الأمر الذى أدى إلى أزمة لدى مستوردى تلك السلع لعدم امكانية حصولهم على الدولار من البنوك ، فظهرت السوق السوداء مرة أخرى ولكن ليس بالدرجة التى كانت عليها قبل قرار تعويم الجنيه.
بقى على البنك المركزى والجهات المعنية – وبحسب بعض المتعاملين فى السوق- إعادة النظر فى دعم السلع غير الأساسية أسوة بالسلع الأساسية ومستلزمات الانتاج ، وقيام البنوك المملوة بتوفير حصيلة لدعم استيراد باقى السلع وتوفير الحصيلة الدولارية للمستوردين إحكاما لضبط أداء سوق صرف العملات الأجنبية.