ليست المشكلة الأخيرة التى تتعرض لها نقابة الصحفيين؛ والتى تتمثل فى القضية التى يحاكم بشأنها نقيب الصحفيين الزميل دمث الخلق يحيى قلاش، وعضوى المجلس الزميلان الفاضلان جمال عبد الرحيم، وخالد البلشى؛ ولكن هناك مشاكل كثيرة تواجه الصحافة وأبناء المهنة فى بلادى مصر، شكلت فى مجموعها أزمات حقيقية وتحديات خطيرة تتعرض لها مهنة الصحافة وأبناؤها، وهى أزمات بلغت ذروتها خلال السنوات الخمس الماضية، وتحديدا التالية على أحداث يناير من العام 2011، الأمر الذى انعكس سلبا على الواقع الصحفى والإعلامى عموما، وامتد بدوره إلى المجتمع المصرى.
الأزمات مرشحة للتصاعد، خاصة فى ظل انتظار تشريعات صحفية جديدة، يحملها مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام، والذى يراه فريق ممن ساهم فى إعداده بأنه كفيل بضبط الأداء الإعلامى والحد من أزمات الصحفيين، فى وقت يرى فيه كثيرون – وأنا منهم– أنه سوف يكون وبالاً على الصحافة والإعلام، وأنه يفتح –حال إقراره– باب جهنم على نقابة الصحفيين تحديدًا، باعتبارها المظلة الشرعية التى تحمى أعضائها.
يأتى ذلك كله فى وقت يعانى فيه الصحفيون غياب ضروريات البقاء، سواء المادية أو المهنية، ويفرض عليهم الواقع السياسى الذى تمر به الدولة، أن يكون لهم دورهم فى دعم خطط الدولة والحكومة، وهو الأمر الذى خلق حالة من الانقسام غير المحمود فى الوسط الصحفى والإعلامى، حيث اتجه فريق لدعم الدولة وبشكل مبالغ فيه، وفريق آخر ينتهج نهج معارضة النظام، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى خروج الأداء الإعلامى عن الطريق القويم، ودخل إما فى طريق نفاق السلطة، أو المساعدة على هدم الدولة وخدمة أغراض وأهداف المتربصين بها.
والواقع الذى يعيشه الصحفيون فى بلادى مصر يتسم بالمرارة، خاصة وأن كثيرًا منهم وأغلبهم من المنتمين إلى الصحف الحزبية والخاصة، يعانون البطالة وعدم صرف رواتبهم منذ سنوات طوال، فضلا عن تسريح أصحاب الصحف الخاصة العديد منهم بحجج الخسارة المادية، الأمر الذى انعكس فى النهاية بالسلب على أوضاع الصحفيين عمومًا، بعد أن فقد أغلبهم مورد رزقه الأساسى نتيجة إغلاق الصحف وتشريد الصحفيين بها من ناحية، وبسبب عدم قدرة الدولة على تسوية ملفاتهم التأمينية من ناحية أخرى، مما يهدد مستقبل أسرهم نظرًا لارتباط ذلك الأمر بمعاش الضمان الاجتماعى المفروض على الدولة، بخلاف حالة البطالة التى يعيشونها، والتى تعد مجالاً للاستثمار الخصب من جانب المتربصين بالدولة المصرية ممن يملكون آلات دعاية إعلامية ذات تمويل مادى سخى.
تبقى المسؤولية عن هذا التراجع فى الأداء والتحديات التى تواجه الصحفيين والمهنة عموما على كاهل الحكومة بالدرجة الأولى، التى تملك زمام القدرة على تقنين الأوضاع، وعلى الجهات المعنية وفى مقدمتها المجلس الأعلى للصحافة، والذى لا نعول عليه كثيرًا نظرًا لاقتراب موعد وفاته الرسمية، ليبقى الأمر على كاهل نقابة الصحفيين، باعتبارها الباقية والمسئولة عن حماية أعضائها، وهو ما يفرض على النقابة ضرورة اتباع استراتيجية علمية لحل وإدارة أزمات ومشاكل الصحفيين، وهى استراتيجية يتطلب نجاحها توافر عنصرى الإرادة واختيار التوقيت المناسب للتنفيذ.
فعندما لا تتوافر الإرادة يكون الباب مفتوحا لمحاولات فرض الوصاية على الصحافة، وعندما لا يتم اختيار التوقيت المناسب لحل وإدارة الأزمات، وان تطلب الأمر مواجهات مع السلطة الحاكمة، فان الضرر يكون أكبر على المهنة وعلى أعضاء النقابة، فضلا عن الضرر الأعظم الذى يلحق بالنقابة، وعليه فان إدارة رشيدة للأزمات كفيلة بأن تعيد الأمور إلى نصابها على مستوى المهنة وفى قعلة الحريات.