بعيدا عن الأسباب التى أدت إلى تراجع الحكومة عن قرار إعفاء استيراد الدواجن من الرسوم الجمركية ، إلا أنه كشف عن حالة من الممارسات الاقتصادية الاحتكارية ، التى تستهدف إحراج الحكومة والدولة أمام المواطنين ، وإظهارها بمظهر العجز عن توفير السلع الأساسية للمواطنين.
فما أن تم إعلان التراجع عن القرار ، وبعيدا عن كون السبب أنه نوع من الديمقراطية ، والاستجابة للاحتجاجات التى ظهرت فى أعقابه ، أو كونه كان قرارا غير مدروس بشكل كاف ، أو أنه تم تفسيره على غير الهدف منه ، إلا أن إلغاءه أدى إلى ظهور منتجين للدواجن بالجملة يبدون استعدادا لتوريده بأسعار أقل مما كانت سائدة قبل قرار الاعفاء الجمركى على واردات الدواجن ، لتعود الأسعار إلى طبيعتها أو بشكل أقل مما كانت عليه.
القرار وردود الأفعال عليه ، سواء بعد إقراره أو إلغائه يعكس حالة من الممارسات الاقتصادية ، التى تخرج عن إطار المنافسة الحرة ، وهى منافسة مشروعة ، ودخولها إلى المنافسة الاحتكارية ،وهى غير مشروعة ، نظرا لآثارها السلبية التى تضر أول ما تضر بالمواطن العادى ، الذى يسعى بما يتحصل عليه من دخل محدود ، للحصول على احتياجاته من متطلبات الحياة من سلع أساسية.
كما يعكس أيضا حالة الرغبة الدفينة لدى بعض المنتجين ، إما بعدم التعاون مع الحكومة ، وتقديم صورة للمواطنين بأن "الأسعار نار" بهدف تأليب الرأى العام ، وإما بهدف تعظيم الأرباح عن طريق تعطيش السوق ، بالتأثير على المعروض السلعى ، حتى ترتفع أسعاره مع استمرار الطلب عليه ، ثم البيع بأسعار عالية لتعظيم الأرباح، غير أن المواطن هو الذى يدفع ضريبة فى كلتا الحالتين ، إما نتيجة ضعف المواطنة لدى بعض المنتجين ، أو الجشع واللهاث وراء الربح العالى لدى البعض الآخر.
ما حدث مع الدواجن حدث أيضا مع سلع أخرى أساسية ، كالأرز الذى ارتفعت أسعاره إلى اكثر من 7 جنيهات ، بفعل مثل تلك الممارسات غير الاخلاقية لدى بعض المنتجين ، حتى تدخلت الدولة ، واتخذت إجراءات ما بين منع التصدير ، أو تسهيل الاستيراد ، حتى تمت تغطية السوق بالمنتج الذى هبط سعره الى اقل من 4 جنيهات.
الحل الاقتصادى فى مثل تلك الحالات يتطلب تدخلا من الدولة ، ولا أقصد هنا التدخل فى إجراءات التصدير أو الاستيراد ، وإنما يجب أن يتم تطبيق سياسية "التقويم الاقتصادى" بمعنى دخول الدولة كبائع فى حالة نقص المعروض السلعى ، ودخولها كمشتر فى حالة زيادة المعروض ، وتخزينه لوقت نقص المعروض ، وذلك لإحداث حالة من التوازن بين العرض والطلب فى السوق ،خاصة بشأن السلع الأساسية التى لا غنى للمواطن عنها، وهى السياسة التى تتبعها حاليا القوات المسلحة ، والتى أعتبرها تعويضا لنقص فى الأداء الحكومى، الذى تقع عليه مسئولية تنفيذ تلك السياسة ، حتى لا تضع القوات المسلحة أمام الرأى العام فى موضع التاجر ، أو المستثمر ، كما يروج أنصار الجماعة الإرهابية ، وأعضائها فى الداخل والخارج المصرى.
الحكومة إذن مطالبة بسياسات اقتصادية جديدة ، تعمل على إعادة نقطة التوازن إلى السوق ، والحفاظ على مستويات الأسعار عند الحدود المقبولة،والتى تحددها قوى العرض والطلب ، شريطة مكافحة الاحتكار ، وهو ما يجب أن تتنبه إليه الحكومة ، وتقوم على تنفيذه وبشكل عاجل.