يعانى الموهوبون فى الموسيقى بشكل أكبر من أى موهوب فى أى حقل إبداعى آخر، هذه حقيقة تقترب من أن تكون «مسلمة»، فتخيل معى أن ابنك يحب الموسيقى ولا يمتلك صوتا جميلا، فماذا سيفعل من أجل أن ينمى هذا الحب؟ الإجابة هى لا شىء يذكر، وهذا الـ«لا شىء» يتضخم ليصبح «مستحيلا» إذا كنت من سكان الأقاليم، فإن كنت من سكان العاصمة مثلا فلا يتوافر لغالبية سكان القاهرة مكانا قريبا لتعليم موسيقى، لأن أماكنها محدودة للغاية، تتركز غالبيتها فى «وسط البلد» مثل معهد الموسيقى العربية أو دار الأوبرا أو بيت الكمان الكائن فى معهد الموسيقى العربية أو بيت العود فى حى الحسين، وتخيل معى أنك تريد أن تعلم ابنك مبادئ الموسيقى فماذا ستفعل؟ ستصحبه مرتين فى الأسبوع إلى وسط البلد، لتعانى فى الذهاب وفى الإياب، وفى الانتظار حتى تنتهى محاضرته، وهو أمر إن فعلته مرة فلن تفعله ثانية، وإن فعلته شهرا فلن تفعله آخر.
أضف إلى هذا أن أماكن صناعة الآلات الموسيقية الآن أصبحت محدودة للغاية، كما أن أماكن بيع مستلزمات هذه الآلات من أوتار أو إكسسوار أصبحت محدودة أيضا نتيجة قلة المهتمين بعزف الآلات الموسيقية، وهو ما يضاعف من أزمة من يريد التعليم، وهو أمر كفيل بأن يجعل وضعنا الموسيقى فى الدرك الأسفل من الجودة والدرك الأسفل من التحقق، فهل هذا ما نريده لأمة أخرجت «سيد درويش» وأم كلثوم؟
الإجابة بالطبع لا، لهذا أعتقد أن هذا الاقتراح يأتى ليسد فراغا كبيرا فى ثقافتنا التى أوشكت على الذبول، والحل من وجهة نظرى هو أن ننشئ على الأقل بيتا موسيقيا فى كل محافظة، على أن يتولى هذا البيت تعليم الموهبين من أهل هذه المحافظة عزف الآلات الموسيقى الرئيسية، وأن ترعى وزارة الثقافة نوادى الموسيقى التى يقيمها القطاع الخاص وأن تدعمها سنويا وتقيم مسابقة للتنافس بين هذه البيوت فى جميع مجالات الموسيقى وتكون من نصيب الفائز منحة سنوية تقدمها الوزارة سواء من موازنتها أو من أى جهة مانحة تتفق معها الوزارة.