المعلن حتى الآن أن القمة العربية ستعقد فى الرياض يوم 23 مارس المقبل، لكن لا أحد يعلم هل ستعقد فى هذا الموعد أم سيتم التغيير أو تأجيلها لأجل غير مسمى، خاصة أن هناك مؤشرات تذهب إلى ذلك، لعدة أسباب من بينها وجود ارتباطات لدى بعض الدول تتعارض مع عقد القمة فى هذا الموعد، فضلاً عن الأزمة الكبرى الممثلة فى الحضور القطرى.
بالنسبة لارتباطات الدول فيأتى على رأسها عقد الانتخابات الرئاسية فى مصر أيام 26 و27 و28 مارس المقبل، وهو ما يعنى أن مصر ستكون منشغلة بالانتخابات، وسيكون من الصعب مشاركة مصرية رفيعة المستوى فى القمة قبل ثلاثة أيام من الانتخابات، وهو ما يطرح الباب أمام احتمالية التأجيل لموعد آخر، وإذا استطاعت جامعة الدول العربية، بالتعاون مع السعودية الدولة المضيفة، وبالتنسيق مع مصر، الترتيب لموعد آخر، فإن ذلك لا يعنى نهاية المشكلة، لأن الأزمة الحقيقية تكمن فى قطر، فكل المؤشرات تؤكد أن أزمة الرباعى العربى «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» مع قطر قائمة، ولن تحل فى القريب العاجل بسبب تمسك الدوحة بموقفها الداعم للإرهاب والتدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأربع، وهو ما يغلق الباب أمام أى حل، وساعد على ذلك أن القطريين وجهوا ضربة قوية للوساطة الكويتية حينما أعلن وزير خارجية قطر أن الولايات المتحدة هى بمفردها من تقوم بدور الوسيط فى هذه الأزمة.
وبعيدًا عن ملف الوساطات، تبقى المشاركة القطرية فى القمة هى لب الأزمة، لأن السعودية لن تقبل أن يحضر أمير قطر، تميم بن حمد، إلى الرياض قبل أن يعلن التزامه بالمبادئ الأربعة عشر التى تم إعلانها من جانب الرباعى العربى، لأن حضوره حتى وإن كان للمشاركة فى القمة العربية يعنى تسويف الأزمة، وأن تحقق قطر ما كانت تسعى له بإضاعة مزيد من الوقت، وفى نفس الوقت لا تملك الرياض أن تتجاهل دعوة قطر للقمة باعتبارها عضوًا فى جامعة الدول العربية، ولم يتم تجميد عضويتها وبالتالى عدم دعوتها أو مشاركتها.
دعوة قطر تمثل الأزمة الكبرى التى تواجه عقد القمة العربية بالرياض، ووفقًا لما سمعته من دبلوماسيين عرب فإنه يجرى التشاور حاليا بين عدد من العواصم العربية من أجل إيجاد حل أو مخرج من هذه الأزمة، خاصة أن توجيه الدعوة بأى شكل، حتى وإن كان بشكل ينتقص من دولة قطر وحكامها، لن يقابله رفض قطرى للحضور، خاصة أن الرسائل الواردة من الدوحة تؤكد حرصهم على المشاركة بوفد يرأسه تميم بن حمد، وبالتالى وضع السعودية فى مأزق، وقد أعلنها صراحة وزير الخارجية القطرى، محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، قبل أيام بأن بلاده ستحضر القمة العربية المقبلة بغض النظر عن مكان انعقادها، وفى إشارة ذات مغزى قال أيضًا: «والدولة التى ستستضيف هذه القمة، إن كانت من دول الحصار ولم توفر الإجراءات اللازمة، فستكون هى المخالفة وليست قطر».
إذن قطر تريد إحراج السعودية والمشاركة فى القمة، حتى إن لم توجه لها الدعوة من الأساس، وهو ما يتحسب له المسؤولون بالمملكة جيدًا، ويدرسون الآن تداعياته، لأنهم لا يقبلون كما قلت بالوجود القطرى فى السعودية قبل أن تلتزم قطر بأمن وسيادة الدول العربية، لذلك فإن المطروح حاليا هو تأجيل عقد القمة لأجل غير مسمى، وقد يطرأ على الساحة مقترح آخر بأن تعلن السعودية اعتذارها عن استضافة القمة فى اللحظات الأخيرة، وهنا نحن أمام مآزق آخر، لأن الدولة التى من المقرر أن تستضيف القمة بعد السعودية هى البحرين، العضو فى الرباعى العربى، ولها نفس مواقف المملكة، بل إنها من الدول التى عانت كثيرا من التدخلات القطرية، ولن تقبل مطلقا وجود أمير قطر أو مسؤول قطرى على أراضيها حتى وإن كان للمشاركة فى القمة العربية.
مأزق شديد يتطلب دراسة متأنية، وقرار جرىء من الجميع، لأن السعودية أو البحرين، ليست الكويت التى قررت قبل أشهر استضافة القمة الخليجية بوجود قطرى للحفاظ على دورية انعقاد القمة، كون الكويت اختارت طريق الوساطة، ولم تختر أن تكون طرفا فى الأزمة، وربما يكون من المفيد هنا أن نعيد طرح ما سبق أن طالب به دبلوماسيون فى أعقاب إعلان الرباعى العربى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إمارة قطر فى الخامس من يونيو الماضى، وهو السعى لتجميد عضوية الدوحة فى جامعة الدول العربية، لأن هذا الطرح لو جرى تنفيذه فى حينها ما واجهنا هذا المآزق الآن.