أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وهذا ما كشفه البحث الذى حمل عنوان «أثر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على الاقتصاد الإسرائيلى»، الذى أعده الباحث حسين خلف موسى، ونشره المركز الديمقراطى العربى، وهنا يواصل الباحث سرد الدعم الأمريكى للاقتصاد الإسرائيلى.
ثالثًا: دفع 2.5 بليون دولار لدعم مشروعى الطائرة المقاتلة «ليفى» وصاروخ «آرو» الإسرائيليين.
رابعًا: شراء إسرائيل تجهيزات عسكرية أمريكية بأثمان منخفضة، مقدرًا الفارق على مدى السنوات الأخيرة بـ«بضعة بلايين دولار».
خامسًا: استخدام إسرائيل %40 من المساعدات العسكرية الأمريكية التى تقدم لها سنويًا «نحو 1.8 بليون دولار» لشراء تجهيزات مصنعة داخل إسرائيل بدل إنفاقها فى شراء أسلحة أمريكية، كما أن سلطات الدولة العبرية حصلت على تعهد من وزارة الدفاع الأمريكية، ومن وكلائها لشراء معدات إسرائيلية، وخصم أثمانها من الأموال التى تقدمها أمريكا لإسرائيل بمعدل 50 سنتًا إلى 60 سنتًا من الدولار الواحد.
ويضاف إلى ذلك أن الدعم التقنى والمالى الأمريكى سمح للدولة العبرية بأن تصبح بدورها ممول أسلحة أساسيًا، بحيث تمثل الأسلحة نصف صادرات إسرائيل الصناعية إلى الخارج، وأضحت تنافس أمريكا نفسها فى الأسواق العالمية، ما يحمل الإدارة الأمريكية دفع المتطلبات المالية الإضافية لمواجهة المنافسة من أموال دافعى الضرائب الأمريكيين.
سادسًا: السياسة الأمريكية فى المنطقة، والعقوبات التجارية الناجمة عنها قلصت من صادراتها إلى منطقة الشرق الأوسط بنحو 5 بلايين دولار، وألغت نحو 70 ألف وظيفة شغل أمريكى، كما أن عدم مطالبة إسرائيل باستخدام المساعدات الأمريكية فى شراء سلع أمريكية كلف هو الآخر سوق الشغل 125 ألف وظيفة.
سابعًا: إسرائيل أجهضت صفقات سلاح أمريكية، مثل صفقة بيع السعودية مقاتلات «إف 15» فى منتصف الثمانينيات، ما كلف الميزان التجارى الأمريكى 40 بليون دولار على مدى عشر سنوات.
وفى ضوء العرض السابق نستطيع تقدير الدور الأمريكى فى بناء الاقتصاد الإسرائيلى، وبعيدًا عن المد الأمريكى للعدو الصهيونى، فإننا لا يمكن أن نتجاهل الأخبار التى كشفت عن اتفاق يسمح لإسرائيل بالحصول على إمدادات عسكرية متطورة من جانب الولايات المتحدة بقيمة 38 مليار دولار على مدى عشر سنوات، خاصة فى ضوء الأحداث التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والخلافات التى احتدمت بين إدارة أوباما السابقة، قبل وصول الرئيس الأمريكى الحالى ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى قام بزيارة واشنطن بدعوة من رئيس مجلس النواب الأمريكى، جون بينر، فى مارس من العام الماضى بعد رفض البيت الأبيض استقباله، كما شنت حكومته هجومًا ضاريًا على سياسة أوباما، خاصة المتعلقة بالبرنامج النووى الإيرانى، حتى تخيل للبعض أن هناك شرخًا كبيرًا حدث فى العلاقات بين الجانبين، وراحت وسائل الإعلام الأمريكية تنتقد محاولات نتنياهو فرض رؤيته على واشنطن، واستغلال أغلبية الحزب الجمهورى المؤيد لسياسات إسرائيل فى المنطقة.
الحقيقة التى يجب ألا تضيع وسط ركام الخلافات بين إدارة أوباما السابقة- قبل وصول ترامب- ونتنياهو، والوضع الراهن فى الشرق الأوسط، وما تشهده دول عربية كبرى، ومحاولات إعادة رسم خريطة التحالفات فى المنطقة، أن العلاقات بين تل أبيب وواشنطن تظل الثابت الوحيد فى تلك المعادلة، حيث لا تتأثر العلاقات الثنائية بالخلافات التى يمكن أن تطرأ بين الإدارتين، وأن الأسس الاستراتيجية للتعاون، والتى بدأت مع إعلان قيام دولة إسرائيل، لن تتغير، وهى كما تقول زعيمة الحزب الديمقراطى فى مجلس النواب الأمريكى: «العلاقات الأمريكية مع إسرائيل قوية وستبقى كذلك، لا تعتمد على الأشخاص، تتعلق بالقيم التى نشترك فيها، ونحن نتطلع إلى مواصلة عملنا معًا».
الخلافات بين نتنياهو وأوباما، وتلك التى من المتصور أن تحدث مع أى إدارة أمريكية أخرى، لن تؤثر على تعاون المؤسسات المختلفة مع إسرائيل، ولن تتغير بسببها استراتيجيات تم التوافق عليها منذ عقود، وما جرى بين أوباما ونتنياهو ليس سوى «زوبعة فى فنجان» لم تمنع واشنطن من تقديم مزيد من إمدادات السلاح المتطور إلى الحليفة إسرائيل.
وجديد التعاون الإسرائيلى الأمريكى- حسب الباحث- هو ذلك الاتفاق الذى يسمح بتقديم مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، حيث تبحث تل أبيب حاليًا عن 41.2 مليون دولار لتطوير صواريخ القبة الحديدية التى تمولها واشنطن بـ1.2 مليار دولار، إلى جانب 268 مليون دولار لتطوير برنامجى صواريخ «مقلاع داود»، وصواريخ «آرو 3»، فضلًا عن التعاون المشترك بين الجانبين فى الصناعات العسكرية المختلفة.
ويعتبر كتاب جورج بول، الدبلوماسى السابق بالخارجية الأمريكية، الصادر عام 1992 بعنوان «الارتباط العاطفى.. التورط الأمريكى مع إسرائيل»، وما يحمله من وثائق وروايات لشخصيات شاركت فى صناعة القرار الأمريكى، مرآة حقيقية لطبيعة العلاقات بين واشنطن والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
ويقول مؤلف الكتاب إن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية «أيباك»، التى تشكل مجموعة الضغط الرئيسية المؤيدة لإسرائيل فى الساحة الأمريكية، لها نفوذ قوى فى الولايات المتحدة، وتعمل لصالحها 100 لجنة عمل سياسى فى الساحة الأمريكية.. هناك اتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل من شأنه دفع واشنطن إلى خفض مستوى عملياتها الأمنية فى الشرق الأوسط، لأن إسرائيل ستقدم لها المعلومات التى تريدها.. التقليد السائد هو تعيين صحفيين متعاطفين مع إسرائيل كمراسلين فى منطقة الشرق الأوسط، بحيث يكون مقرهم الرئيسى فى إسرائيل.