لماذا تصمت الألسنة الطويلة عن قول الحقيقة؟
نشرت جريدة لوموند الفرنسية تقريرا مليئا بالمغالطات، تحت عنوان «أوقفوا الانزلاق إلى الجحيم»، تنطلق فيه من الحكم بحبس الكاتب الروائى أحمد ناجى، لتربط بينه وبين مجموعة من الوقائع والأحداث المتنافرة لتصور الأمور فى مصر على أن هناك آلة قمعية كبرى بتوجيه الرئيس السيسى، تستهدف المثقفين والكتاب والصحفيين والمفكرين والشعراء، بالتزامن مع إغلاق دور النشر وجاليريهات الفن وصدور قرارات المنع من السفر والاعتقالات العشوائية واستهداف الأجانب.
التقرير الفج المكتوب بغل شديد الذى وقع عليه عديد من المثقفين والكتاب الفرنسيين، يزعم وجود تخطيط يستهدف الشباب المثقف بالقتل والاختطاف والاعتداءات الجنسية الممنهجة والتعذيب ومطاردة نشطاء المجتمع المدنى لفرض سياسة تصفية شباب المبدعين من كل الاتجاهات والمشارب والتوجهات.
يربط التقرير بغرابة شديدة بين الحكم بالحبس على الباحث إسلام بحيرى والروائى أحمد ناجى وإحالة الصحفية فاطمة ناعوت للمحاكمة، وبين مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة وتفتيش دار ميريت وإغلاق مركز النديم لعلاج المعنفات وضحايا التعذيب، لتخلص دون دليل إلى شيئين أساسيين، الأول، إلصاق وتثبيت تهمة قتل الطالب الإيطالى ريجينى بأجهزة الأمن المصرية، والثانى تصوير الداخل المصرى أمام الفرنسيين على أنه ضحية آلة تعذيب كبيرة يبنيها السيسى بدعوى محاربة الإرهاب، مستغلا فى ذلك الدعم الأوروبى والأمريكى الكبير سياسيا وعسكريا.
ما الرابط بين هذه الأمور المتنافرة؟ وما العلاقة بين مقتل أجنبى فى القاهرة وبين حبس باحث أو كاتب روائى؟ وهل يمكن لمنصف أن يتصور تأثيرا لمؤسسة الرئاسة أو لغيرها من مؤسسات السلطة التنفيذية على مؤسسة القضاء والأحكام الصادرة عنها؟! ولماذا لم نسمع رأيا منصفا واحدا ردا على تقرير لوموند؟، يقول للغرب إن القضاء فى مصر مستقل وليس تابعا للرئاسة، ومن الظلم أن نحمل السيسى ومؤسسة الرئاسة مسؤولية أحكام القضاء بحق الكتاب والأدباء والصحفيين، ولعل أزمة صحفيى الجزيرة الذين تم تحويلهم للمحاكمات رغم ضيق صدور مستشارى الرئيس بذلك، خير شاهد على ما يمكن أن تسببه الأحكام القضائية من أزمات سياسية لمؤسسة الرئاسة والحكومة وخططها المستقبلية.
يصور التقرير الغريب فى عدوانه وأكاذيبه، ما يحدث فى مصر على أنه نوع من الحرب الأهلية المنظمة، حيث يموت الناس على قارعة الطريق ويتم إلقاء جثثهم فى الشوارع، ويتم كذلك إرهاب الشباب بشكل منهجى، حتى يتم تفريغ البلد من طاقاته الحيوية، فهل خرج أحد من أصحاب الألسنة الطويلة ممن يتشدقون بالموضوعية، ليقول إن تقرير اللوموند مزيف وموجه وملىء بالمغالطات؟ هل يمتلك أحد الكتاب والإعلاميين المنتقدين لسياسة السيسى الجرأة على تطبيق الموضوعية والنزاهة على تقرير اللوموند؟! هل يملك أصحاب الألسنة الطويلة والأحلام الصغيرة الشجاعة ليفندوا ما جاء فى تقرير اللوموند الفرنسية؟
ويخلص التقرير الموجه إلى ضرورة اتخاذ فرنسا وبريطانيا وأمريكا مواقف حاسمة ضد مصر، تتعلق بفرض عقوبات اقتصادية عليها وإعادة النظر فيما تقدمه إليها الدول الثلاث من مساعدات، فهل هذه هى الغاية النهائية للتقرير المبنى على مغالطات ومعلومات خاطئة؟
هل يستهدف تقرير اللوموند صناعة أزمة فى العلاقات المصرية الفرنسية لتكتمل شبكة الأزمات الأوربية ضد مصر، بدءا بروسيا ومرورا بإيطاليا؟ أنصح الجهات الدبلوماسية بسرعة الرد على تقرير اللوموند بالتفاصيل وعدم ترك كرة الثلج بشأن المعلومات المغلوطة حول مصر لتكبر بصورة عشوائية، كما أنصح منتقدى السيسى والحكومة بتبنى قدر من الموضوعية والنزاهة تسمو فوق اختلافات وجهات النظر لتأكيد ما يحمى مصالح البلاد ويمنع عنه الأذى .