بعد الحكم على أطفال بنى مزار بالحد الأقصى للعقوبة خمس سنوات سجنا فى قضية اتهامهم بازدراء الدين الإسلامى كانت الصدمة كبيرة لعدة أسباب.. وهذا ليس تعليقا على الحكم، ولكن محاولة لفهمه واستيعاب ما يعنيه من دلالات.
أولا: أن يصدر الحكم بالحد الأقصى مسألة تثير الدهشة، وثانيا: أن يكون الحكم وفقا لما أعلن، مشمولا بالنفاذ، بمعنى أن الأطفال سيتم حبسهم خلال فترة الاستئناف ولم تصدر المحكمة قرارها بوجود كفالة حتى يستطيع الأطفال قضاء مدة الاستئناف فى منازلهم مثلما يحدث فى معظم القضايا، فهذه مسألة تدعو للتساؤل!! وهنا أطرح تساؤلات عدة قد تدعو البعض للتفكير بهدوء:
ما الهدف من العقوبة هنا؟! وهل نضحى بمستقبل أطفال مازال وعيهم يتكون ومن الممكن تصويب سلوكياتهم بمئات الأساليب التربوية السليمة، هل نعاقبهم بأقصى العقوبة إرضاء فقط لأهالى القرية الغاضبين؟! هل فكر من حرك الدعوى ضد هؤلاء الصبية أو من حقق فى القضية، هل فكر أى من هؤلاء أو حتى أهالى القرية فى السبب وراء هذا المقطع التمثيلى الذى أداه الصبية لمدة لا تزيد على 35 ثانية؟! هل اهتم أحد أن يعرف لماذا يرى هؤلاء طقوس الصلاة مرتبطة بالذبح؟ وهل يعتقد من حرك الدعوى ضد هؤلاء أو من أدانهم، هل يعتقدون أن حبس أطفال أعمارهم تتراوح بين 14 و17 عاما سيغير من الأمر شيئا؟
هل أساء أطفال بمشهد يسخرون فيه - حسب أقوالهم - من مشهد ذبح ما يعرف بتنظيم داعش لعدد من المصريين؟ وما معنى الإساءة هنا؟ هل العقاب سيغير ما شاهدوه ويشاهده ملايين البشر حول العالم من ممارسات وحشية منسوبة للإسلام والمسلمين؟! هل عقاب هؤلاء سيغير مفاهيم خاطئة قد تكون لدى عدد ليس بقليل من أقرانهم؟ هل عقاب وسجن صبية وأطفال لسخريتهم من أى شىء كان هو الحل الأمثل؟ أين الحس التربوى والتوجيه؟ أين دور العائلات والمدارس والمساجد والكنائس؟!
سأقولها وأكررها: لابد من سن قانون واضح لا لبس فيه يحسم توجيه اتهامات ما يعرف بازدراء الأديان، فمن الذى يحدد ويقرر أن فى فعل ما أو قول ما ازدراء لدين ما؟! وكيف تتم المحاسبة إن تم الفعل؟
ومرة أخرى لماذا لا نرى من يهب لمحاسبة من يسيئ إلى أديان أخرى؟! هل معاقبة أطفال بالسجن لمجرد أدائهم مشهد لا يتجاوز ثوانى معدودة هو الحل؟! ألا يجب أن يتضمن القانون القصد من وراء الفعل؟! وهل نحاسب الناس على ما يمارسونه من سلوك فى حياتهم الخاصة؟! أطفال يلهون ساخرين داخل حجرة مغلقة، من الذى يحاسبهم على الخطأ، العائلة، المدرسة، الكنيسة، أم المحكمة؟! إلى هذا الحد لم يعد لأى من هؤلاء أى دور فى توجيه وتصويب أخطاء بضعة صبية والتعامل معهم وكأنهم عصابة إجرامية؟! أم أن المطلوب هنا فقط هو تهدئة جموع الغاضبين فى قريتهم وغيرها من القرى التى ثارت ضد هؤلاء، وكان لابد من توقيع أقصى العقوبة كى تهدأ ثورة الغضب؟! ولكن لماذا لا يتم التعامل بنفس المنطق إن كان هذا منطقا أصلا؟!! لماذا لا يتم توقيع أقصى العقوبة على من يسيئ إلى أديان أخرى بنفس المنطق؟!
على الأقل هؤلاء الصبية لم يقوموا بنشر وإذاعة سخريتهم على الملأ بل تسرب المقطع ونشره من له غرض ما، ولم يدع أى منهم أنهم علماء وفقهاء، فلماذا لا يعاقب من يعلن أفكارا وأحكاما وفتاوى تسيئ للدين المسيحى والمسيحيين فى وسائل الإعلام وعلى مواقع الإنترنت وفى محاضرات علنية لمريديه ولم يتحرك أحد! لم يغضب أحد! مع العلم بأن هذه الإساءات متكررة، ويؤكد أصحابها أنها حقائق وليست مجرد آراء؟! إلى متى هذه الازدواجية فى الحكم على الأشياء؟! وإلى متى يعتقد البعض أن مجرد رأى حتى وإن كان متجاوزا أو مسيئا يستحق العقاب؟!