أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وقد شكلت الدراسة التى أعدها الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر، الأستاذ بجامعة دمشق والفرات، رؤية حقيقية لوهم الديمقراطية الأمريكية، وفيها يشير إلى أنه فى 2005، قام مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية وبرنامج اتجاهات السياسة الدولية باستطلاع على عينة من 808 أمريكيين، فجاءت النتائج كالتالى: إن الأغلبية تعارض نشر الديمقراطية بالقوة العسكرية، سواء أكان ذلك من الإطاحة بالديكتاتوريين أم من تهديد الدول باستخدام القوة المسلحة فى حال عدم إنجازها لإصلاحات ديمقراطية (رأى %66 أن أضرار تلك السياسات تفوق منافعها، مقابل %21 رأوا العكس).
- أكدت الأغلبية من الحزبين الأساسيين فى الولايات المتحدة (الجمهورى والديمقراطى) أن بناء الديمقراطية لم يكن سبباً كافياً للحرب على العراق (%74)، وأن تجربة العراق جعلت الأمريكيين أقل تأييداً لاستخدام القوة العسكرية لفرض الديمقراطية.
- إن الأمريكيين غير مقتنعين بأنه عندما يكون هناك دول ديمقراطية أكثر، فإن العالم سيكون أكثر أمناً، (%26) فقط عبروا عن اقتناعهم بتلك الفرضية. وقد انقسم الأمريكيون فيما إذا كانت الديمقراطية تسهم فى تقليص الدعم للإرهاب، أو فيما إذا كانت الديمقراطيات أقل احتمالاً للدخول فى حرب، أو أكثر احتمالاً لأن تكون صديقة للولايات المتحدة.
- إن الأغلبية تعتقد أن دعم الديمقراطية يجب أن يكون هدفاً فى السياسة الخارجية الأمريكية ولكنها لا تمثل أولوية قصوى. وقد أيدت تطبيق منهج براجماتى والاعتماد على الوسائل الدبلوماسية والتعاونية فى نشر الديمقراطية، ومعارضة استخدام الوسائل العقابية كوسيلة للضغط على الدول لتصبح أكثر ديمقراطية.
- إن أغلبية كبيرة تفضل العمل عبر الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية، وتعتقد أنه يجب أن يكون هدف الأمم المتحدة دعم الديمقراطية فى العالم. وبهذا نلاحظ أن النتائج جاءت مناقضة تماماً لتوجهات السياسة الخارجية والأمن القومى لإدارة الرئيس بوش.
رابعاً- الاهتمام الأمريكى بالديمقراطية وحقوق الإنسان قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001:
قامت السياسة الأمريكية قبل الحادى عشر من سبتمبر 2001 على اعتقاد رئيسى باستثناء الشرق الأوسط من الديمقراطية، لأن الديمقراطية غير ممكنة بسبب الثقافة العربية الإسلامية، وبسبب الصراع العربى- الإسرائيلى وعدم الاستقرار، ولذلك استبدلت السياسة الأمريكية الديمقراطية والحرية، بالاستقرار والأمن، للحفاظ على النفط والأسواق. وبالتالى، كان اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة قبل الحادى عشر من سبتمبر قاصراً على تحقيق مصالحها المتمثلة فى الحفاظ على إمدادات النفط والأسواق الغنية، حتى ولو تم ذلك بالتعامل مع الأنظمة السلطوية فى المنطقة، ونتيجة لذلك كان الاهتمام بالديمقراطية والإصلاحات السياسية محدوداً، إلا أنه بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر أصبحت الديمقراطية والإصلاح السياسى فى الشرق الأوسط جزءاً من الاستراتيجية الأمنية الأمريكية فى مواجهة الإرهاب.
وقد أكد الرئيس بوش هذا التغيير فى السياسة الأمريكية، حيث انتقد إحدى الحجج والمقولات التقليدية التى تمسكت بها النظم السياسية فى منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية لتبرير تأجيل عملية الإصلاح السياسى، وهى مقولة «الاستثناء العربى» أو «الخصوصية العربية»، التى حاولت تلك الأنظمة من خلالها الترويج لفكرة صعوبة التحول الديمقراطى فى الشرق الأوسط استناداً إلى الخصوصيات الثقافية والسياسية والدينية للمنطقة، ومن ثم فإن ما ينطبق على باقى الأقاليم الأخرى، مثل أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وشرق آسيا، لا ينطبق بالضرورة على دول الشرق الأوسط.
خامساً- تأثير أحداث سبتمبر 2001 فى الاهتمام الأمريكى بالديمقراطية وحقوق الإنسان:
بعد وقوع أحداث الحادى عشر من سبتمبر، أكد الرئيس بوش أن العالم لن يكون آمناً من الإرهابيين حتى يصبح الشرق الأوسط مكاناً آمناً للديمقراطية. وقد قام «استراتيجيو بوش» بالعمل على تمهيد الطريق إلى الديمقراطية فى الشرق الأوسط، وأكدوا أن الأنظمة فى هذا الجزء من العالم تتميز بثلاث خصائص:
- أنظمة استبدادية: فالتحرر من الاستعمار ترك المنطقة لنوع جديد من الاستبداد والعبودية، أو على الأقل لإدارة تفتقر للتمثيل.
- استفادت أكثرية هذه الأنظمة من المعطيات الجغرافية: إذ وجد النفط فى باطن الأرض، ولذا فإن الحاجة للبقاء منافس فى الاقتصاد العالمى، ولم تنتج ليبرالية سياسية كما فعلت تقريباً فى كل أرجاء العالم الأخرى.
- بعض هذه الأنظمة لها تقاطع مصالح مع مؤسسات دينية إسلامية ولها أسبابها الخاصة لمقاومة التغيير، وبهذا تم تعزيز النزعة القديمة «الفهم الحرفى للقرآن»، التى تركت مجالاً ضيقاً لتفسيرات بديلة.
هذا «المزيج الضار من الاستبداد» والثروة والتطبيق الحرفى للدين الذى دعمته إدارة بوش، الذى غذى الإحباط عند الأكثرية وأثار هيجاناً عند أقلية، كان كافياً لأن يسبب أحداث 11 سبتمبر 2001. ولهذا يجب تغيير هذا الوضع مما يجعل العالم أكثر أمناً، ويسهل الدمقرطة فى المنطقة.
وفى هذا السياق، قدم ريتشارد هاس مدير التخطيط السياسى فى وزارة الخارجية الأمريكية إطاراً لرؤية الإدارة الأمريكية فى الشرق الأوسط يقوم على ما يلى:
- وجود نماذج مختلفة للديمقراطية، ومن ثم فإن العملية الديمقراطية يجب ألا تتبع بالضرورة نموذجاً محدداً، حيث لا يوجد نموذج واحد يمكن إتباعه.
- الانتخابات لا تصنع الديمقراطية، فمن المهم أن تصاحب الانتخابات تطور المجتمع المدنى.
- الديمقراطية تحتاج إلى وقت قد يصل إلى عقود، بل وأجيال، كما تحتاج إلى تعليم ومعرفة، وتحديث اقتصادى، ووسائل إعلام مسؤولة ومستقلة، ودعم لحقوق المرأة. «يتبع»