أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى، وسياسات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وقد شكلت الدراسة التى أعدها الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر، الأستاذ بجامعة دمشق والفرات، رؤية حقيقية لوهم الديمقراطية الأمريكية وفيها يشير إلى أنه وعلى الرغم من أن الديمقراطية يمكن تشجيعها من الخارج، إلا أنه من الأفضل بناؤها من الداخل لكى تستمر وقد سعت إدارة الرئيس بوش إلى ترجمة هذه الأهداف إلى برامج وسياسات محددة فى إطار ما أطلقت عليه مبادرة الشراكة فى الشرق الأوسط، ثم مبادرة الشرق الأوسط الكبير.
وكانت مجموعة مستقلة برئاسة مادلين أولبرايت، قد قامت برعاية من مجلس العلاقات الخارجية فى العام 2005 بإعداد تقرير للبحث فيما إذا كان دعم الديمقراطية يحقق المصالح المفضلة للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط؟ وإذا كان ذلك فكيف يمكن للولايات المتحدة تنفيذ مثل هذه السياسة؟ وقد وصلت تلك المجموعة إلى نتيجة مفادها أنه على الرغم من المخاطر قصيرة الأجل، فإن الديمقراطية هدف مرغوب فيه فى الشرق الأوسط، ومع أن الديمقراطية تنطوى على مخاطر محددة، فإن رفض الحرية يحمل مخاطر كبيرة.
سادسا - العلاقة بين الإرهاب وغياب الديمقراطية من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية:
لقد تكونت قناعة لدى إدارة الرئيس بوش بأن تحول الأنظمة العربية والإسلامية إلى نظم ديمقراطية سوف يقضى على الإرهاب، وبالتالى يحسن وضع الأمن القومى للولايات المتحدة. لكن هذه القناعة لا تستند إلى أى دليل مادى، بل إن الديمقراطية فى الشرق الأوسط ستأتى فى الغالب بحكومات إسلامية غير راغبة فى التعاون مع الولايات المتحدة.
وحسب تقرير «أنماط الإرهاب العالمى» الصادر عن الإدارة الأمريكية، فإنه ضمن 269 حادثة إرهابية حدثت على مستوى العالم من عام 2000 -2003، وقعت 119 حادثة فى دول يتمتع مواطنوها بالحريات الأساسية والمشاركة السياسية. وفى دول ديمقراطية مثل الهند، فإن الحوادث الإرهابية تشكل %75 من جميع أعمال العنف، بينما فى دولة سلطوية مثل الصين، لا تقع حوادث إرهابية.
وتوضح الدراسة أن التحول الديمقراطى فى إسبانيا لم يقض على العمليات الإرهابية من المنظمات الانفصالية من إقليم الباسك، وأن «النظام الديمقراطى فى إسرائيل» لم يمنع المتطرفين من اغتيال إسحق رابين، وقد تمت حوادث التفجيرات الأخيرة فى لندن بوساطة عناصر إرهابية نشأت فى ظل النظام الديمقراطى فى المملكة المتحدة. وعلى الرغم من تحرر العراق من النظام الديكتاتورى فإن الحوادث الإرهابية تقع يومياً.
إن السبب الحقيقى لانتشار الأعمال الإرهابية فى العراق وأفغانستان هو الرفض للوجود الأمريكى فى هذه البلاد، وإذا ما دفعت الإدارة الأمريكية عملية التحول الديمقراطى فى الدول العربية، فهناك احتمال كبير لأن تصبح الحكومات المنتخبة أقل تعاوناً مع الولايات المتحدة من النظم السلطوية، وأن التاريخ يشير إلى أن الانتخابات الديمقراطية الحقيقية كثيراً ما تصب فى صالح الإسلاميين فى منطقة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال: حصل حزب العدالة والتنمية فى المغرب وهو حزب إسلامى على 42 مقعداً من 325 مقعداً فى الانتخابات البرلمانية فى العام 2002، وفى اليمن حصل حزب الإصلاح الإسلامى على 46 مقعداً من 301 مقعد نيابياً فى انتخابات عام 2003، وحصل الإخوان فى الكويت على 17 مقعداً من 110 إلى جانب 3 مقاعد لجماعات إسلامية أخرى، أما فى العراق، فقد حصل الشيعة بقيادة آية الله السيستانى على 140 مقعداً من 275 مقعداً، بينما حصل العلمانيون على 45 مقعداً.
سابعاً- تأثير الحملة الأمريكية ضد الإرهاب على الديمقراطية وحقوق الإنسان:
لقد تحول شعار الحرب على الإرهاب إلى مسوغ لانتهاك القانون الدولى ومبادئ حقوق الإنسان من قبل العديد من الدول الغربية التى تفخر بدفاعها عن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، فمنذ إعلان الرئيس الأمريكى بوش الابن حربه على الإرهاب، أكد «أن أحد أسباب ظاهرة الإرهاب هو غياب الديمقراطية والعدالة فى العديد من الدول العربية والإسلامية»، وأكد أيضاً على «أن الحرب على الإرهاب هى حرب من أجل القيم، وأصر على أن الولايات المتحدة ستظل تدعم الكرامة الإنسانية».
وفى السنوات الأخيرة شهدنا خروج العديد من المبادرات، مثل «مبادرة الشرق الأوسط الكبير»، التى «تنادى بترويج القيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان»، «كسياسة لا تتجزأ عن سياسات مكافحة الإرهاب»، وهو ما سنتطرق إليه فيما بعد بشىء من التفصيل، وقد أكد الرئيس بوش فى مناسبات عديدة «أن السياسة الأمريكية هدفها تحرير الشعوب من قمع حكوماتها، فمثلاً انتقد الرئيس بوش نظام صدام حسين بسبب ممارسته التعذيب، مؤكداً أن الحرب على العراق كانت خطوة لإنقاذ الشعب العراقى من بطش الحكم الصدّامى.. «يتبع»..