يمكن أن تصف زيارة ولى العهد السعودى لمصر، وبنفس مطمئنة أنها تاريخية فى كل شىء، وأنها تؤسس لنقلة جديدة ومتينة وواثقة فى علاقات الشقيقتين.. مصر والسعودية.
الأمر يحتاج إلى عشرات، بل مئات الصفحات من الصحف والمجلات، بل والبرامج لمناقشة النتائج الإيجابية، التى أسفرت عنها هذه الزيارة، التى تخرص كل الألسنة المسعورة، التى تستهدف البلدين إما عن قصد، وإما عن جهل، وكلاهما فى سلة واحدة.
لن أتحدث عن زيارة الأمير الشاب لمنطقة قناة السويس، وانبهاره بحجم ما أنجز من مشروعات، ولا عن الاتفاقيات التى وقعت وعوائدها التى تقدر بالمليارات لصالح البلدين، ولا عن تطابق السياسات بين البلدين.. فقط سوف أتوقف عند عنصر واحد أساسى مازلت أرى فيه قوة مصر الكامنة، وسر عظمتها، وسر تسيدها العالم العربى جنبًا إلى جنب مع كونها مصنع الرجال، وعمود الخيمة العربية وحائط الصد القوى والحقيقى للكيان العربى.
ظهر ذلك فى حرص الأمير الشاب المنطلق كالشهاب فى منطقة الخليج، على تضمين زيارته التاريخية − بجد − لعناصر قوة مصر الناعمة متمثلة فى أزهرها، وكنيستها، وفى دار الأوبرا المصرية لمتابعة مسرحية، وفى الاجتماع برموز الثقافة والإبداع فى مصر.
الأمير الشاب يؤكد بطريقة عملية، وأحيانا بلهجة مصرية، أنه مصرى الهوى، ولى عهد السعودية يتابع مسرحية «سلم نفسك»، فيها غناء، ورقص موظف محترم، ونقد اجتماعى وترفيه برىء عن النفس فى دار الأوبرا المصرية فى حضور رموز فكرية، وثقافية وفنية.. إنها رسالة عملية للظلاميين أن المملكة تدير بوصلتها فى اتجاه مصر، الوسطية فى كل شىء، فى أزهرها الأمين على رسالة الدين الحنيف، وفى كنيستها الوطنية.. وعندما أراد أن يصل إلى المواطن المصرى كان حريصًا أن يصل صوته عبر الرموز المثقفة، التى تدرك ما يريد.
لا أعتقد أن حرص ولى العهد السعودى على تحية فرقة الموسيقى العربية والسلام باليد على كل فرد فيها، وهى التى عزفت فى احتفالية أقيمت على شرفه فى الماسة كانت عفوية، إنها رسائل الأمير الشاب التى أطلقها من مصر.
ليس من بين عاداتى أن أكتب عن لقاءات أو قمم عربية، فى البداية كنت أرى فى الأمر “تحصيل الحاصل“ وكأنى كنت بسذاجتى أعتقد أن هذا الأمر من الثوابت، فالعرب أخوة، مصالحهم واحدة وعدوهم واحد، إلى آخر ما كنا نقول ونردد، فلما كبرت اكتشفت أن عدونا الأول من بين ظهرانينا، وأن الأخ، أو هكذا يجب أن يكون، هو الذى يطعن فى الظهر، ويمول تفتيت الأشقاء، وأن دولا “شقيقة“ تقول كلاما فى العلن وتفعل ضده على أرض الواقع، بل إنها باعت نفسها للشيطان، وتحولت إلى رأس حربة فى ظهر كل الأشقاء تحت مسميات مختلفة.
وجاء الربيع العربى ليسقط كل أوراق التوت عن عورات العرب، ولنظهر جميعا عرايا أمام الحقيقة المرة، وظهرت سوءات أنظمة تصدر الإرهاب الصريح والمستتر لمصر لإسقاطها، كما أسقطوا العراق، واليمن وسوريا وليبيا، وراحوا يوقعون بين دول المثلث، الذى وعى ما يحدث بفضل قادته فى مصر والإمارات والسعودية، ولكنهم فشلوا، فشلا ذريعا.
عندما كسر الرئيس عبدالفتاح السيسى البروتوكول لكى يكون فى مقدمة مستقبلى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كان يؤكد بكل الصور أن مصر والسعودية عصيتان على أفاعيل الصغار الذين يسكنون كيانات يعتبرونها دولا وسكانها أقل من سكان شارع من شوارع المحروسة.
استوقفتنى زيارة ولى العهد السعودى لمشروعات منطقة قناة السويس، من هنا ستكون أيضا انطلاقة مشروع “نيوم“، الذى سوف ينعكس على رخاء يجنيه مواطنو البلدين، من خلال مشراكة البلدين فى أحد جوانبه الاستثمارية، التى يتوقع لها الخبراء أن تتجاوز الـ 500 مليار دولار، مصر تشارك بموقعها وأرضها، والسعودية بضخ الاستثمارات والعوائد مشتركة.
البيان المشترك أظهر تطابقًا شبه تام فى مواقف البلدين، وتفاهما فى بعض المواقف التى قد لا تتطابق فيها المواقف، حيث أكد البيان المشترك فى ختام الزيارة دعم الجانبين للمسار السياسى لإنهاء الأزمة السورية وفقًا لإعلان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن رقم (2254) وكان موقف البلدين من إيران واضحا وصريحا ومتطابقا.
قبل الزيارة كنا نسمع بيانا هنا وآخر هناك، وكان هناك البعض الذى يفتئت على موقف السعودية مرة، وموقف مصر مرة أخرى، ويسعى لاجتزاء تصريح هنا أو هناك، الآن مع هذه الزيارة قطعت كل الألسنة التى تريد النيل، تحدث الأمير الشاب الطامح لتغيير وجه المملكة، وإعطائها وثبة نحو المستقبل، ظهر الأمير على حقيقته جميلا محبا، وعاشقا لمصر، مدركا لقيمتها، ولدورها الذى أراده الله.
أهلا بالكريم ابن الأكرمين فى وطنه الثانى.. مصر.. وليمت الكارهون كمدًا.