فى عام 1886 وقف الصيدلانى والضابط السابق فى الجيش الكونفيدرالى الأمريكى جون بيمبرتون، الذى كان مدمنًا للمورفين، فى الشارع أمام صيدليته المسماة «جاكوبس»، يحمل فى يده إبريقًا يحتوى على شراب تمكن من تركيبه عن طريق إضافة ثانى أكسيد الكربون إلى الماء والسكر وحمض الفوسفوريك، والكراميل لإضفاء اللون، والذى صار بعد ذلك يحمل اسم «كولا».
ليست الحروب وحدها التى تغير حياة الإنسان وتخرجه من حال إلى آخر، هناك أشياء أخرى تفعل ذلك، على رأسها ما حدث يوم 12 مارس 1894 عندما تم بيع مشروب الكولا فى زجاجات للمرة الأولى فى العالم.
فى هذا التاريخ تم بدء أول إعلان على الجدران مرسوما لشركة كوكاكولا وزجاجتها وتعبئة أول زجاجة من شركة كوكا كولا بمصنعها فى فيكسبيرغ، ميسيسيبى، وكانت زجاجات كوكاكولا مختلفة جدًا عن التصميم الحالى، وكان آسا كاندلر أول من نفذ هذه الخطوة، لكن اثنين من رجال الأعمال من شاتانوغا فى ولاية تينيسى، بنيامين توماس، وجوزيف وايتهيد، كانا من اقترحا هذه الفكرة، وفى 1900 كان الناس الذين يدّخرون 10 سنتات يُنفقون 5 منها لمتعتهم، وهو ثمن الزجاجة الواحدة من الكولا.
ومن يومها تغير كل شىء فى العالم بسبب هذه الزجاجة، وصارت الولايات المتحدة الأمريكية تحمل صورة جديدة لعالم جديد يسعى لفرض نفسه على الجميع مستغلا «الرغبة»، ومقدما صورة استهلاكية أثبتت نجاحها.
من خلال «الكولا» صنعت أمريكا شخصيتها الغامضة والمتحررة فى الوقت نفسه، فلنا أن نتخيل أن الشركة ظلت تتناقل سر «التركيبة» شفهيًا حتى سنة 1919، وذلك حتى تظل مسيطرة ولا تخلق لها منافسًا.
فى القرن العشرين صارت الكولا وأخواتها التعبير الأكبر عن القرن الذى خاض العالم فيه حربين كبيرتين، وظهرت فيه فلسفات وجودية وعدمية تؤكد أن العبث هو المآل الوحيد فى انتظار الإنسان، وأن مواجهة القدر تحتاج إلى سوبرمان وليس إنسانًا عاديًا، وأن أمريكا نفسها هى سوبر مان العالم، الذى يقف بحذائه الثقيل وفى يده علبة الكولا.
إنها حرب الكولا وثقافتها وخسائرها الفادحة، التى كان الإنسان ولا يزال هو ضحيتها الرئيسية.