هل تتذكرون مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، وهو المصطلح الذى أطلقته إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج دبليو بوش»، لإعادة ترتيب المنطقة التى تضم كل البلدان العربية، إضافة إلى تركيا وإسرائيل وإيران، وأفغانستان وباكستان، وهذا المشروع رأى النور عندما طرحته الإدارة الأمريكية فى مارس 2004 على مجموعة الدول الصناعية الثمانية.
والمشروع يحمل فى ظاهره التقدم والمدنية والرقى والحضارة إلى بلدان الشرق الأوسط، إلا أن باطنه ومن وراء الكواليس يهدف إلى غزو المنطقة سياسياً وثقافياً واقتصادياً، وهدم وتقويض ما تبقى فيها من قيم دينية وأخلاقية، وإعادة تقسيمها جغرافيا، ليتم بناؤها من جديد على مقاسات لا تتناسب مع هوية المنطقة ولا مع حضارتها ولا قيمها، وتمهد لاستعمار المنطقة، وسلب كل مقدراتها.
ومنذ ذاك التاريخ، وبدأ التمهيد لتطبيق المشروع، فألقى الأمريكان بثقلهم لتنفيذ المخطط على جماعة ما يسمى الليبراليون الجدد، ولكن سرعان ما تم حرقهم، ولم يستطيعوا بعد حالة من الشد والجذب عبر الفضائيات، تنفيذ المشروع على الأرض، لاندثار شعبيتهم، فى الشارع، بجانب قيام التنظيمات المتطرفة والمتدثرة بالعباءة الدينية من تشويههم، واعتبارهم مارقين، ويعملون لهدم الدين.
ولم تيأس الإدارات الأمريكية المتتابعة، من تنفيذ مشروعها، ووجدت فيما يطلق عليها كذبا وبهتانا، ثورات الربيع العربى فى 2011 فرصة ذهبية كبرى، ورأت فى جماعة الإخوان الإرهابية، فرس الرهان القادر على تنفيذ المشروع، وارتمى الإخوان فى أحضان إدارة الرئيس السابق باراك إوباما وعقدت معه صفقة القرن، بتنفيذ الخطة فى مقابل دعمها ومساندتها فى السيطرة على كل السلطات فى مصر.
لكن جاءت ثورة الخلاص 30 يونيو 2013 لتقلب الطاولة على الجميع، وتحبط هذا المشروع الجهنمى الذى ينال من أمن واستقرار المنطقة، وتقسيمها إلى دويلات، حسب الطوائف، فستجد دولا للشيعة ودولا للسنة ودولا للأقباط، وتصبح دويلات تافهة وغير مؤثرة، ويتحكم فيها ويحركها الغرب عبر خيوط مثل خيوط عرائس الماريونت.
ثم بدأت مصر تخطو خطوات جديدة، وقوية، عقب وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى، لمقعد الحكم فى 2014 لتغيير خريطة المنطقة، وبدأت بفتح ملف الحدود، بريا وبحريا، وهو الملف الشائك، الذى يعد من أبرز إنجازات النظام الحالى، لحفظ حقوق مصر قانونيا، ووضع الوثائق والمستندات فى الأمم المتحدة، فى ظل حراك وعواصف سياسية خطيرة تمر بها المنطقة.
وعقب التحصينات القانوينة بترسيم الحدود بريا وبحريا، بدأت مصر حلقة أخرى لتغيير ملامح القوة، والخريطة الجغرافية، وكان نتاجه تشكيل تحالف القوة بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وربطهما ببعض عبر مشروعات ضخمة، منها المحور الذى سيمتد من العلمين إلى دبى، ومشروع نيوم، وفى القلب منه جسر الملك سلمان، ليربط مصر بالمملكة العربية السعودية، وأن المشروعين، يعدان تغييرا جوهريا فى الخريطة الجغرافية، وميزان القوة، ويكسر سيطرة دول كبيرة فى المنطقة، مثل إيران، وهو ما أشار إليه الخبير الاقتصادى إيهاب سمرة، مؤكدا أيضا أن المشروعان سيحجم العربدة التركية.
ومشروع نيوم على وجه التحديد، يعد انقلابا جغرافيا وسياسيا، ومن قبلهما، اقتصاديا، كون أن «نيوم» مدينة اقتصادية عابرة للحدود، وأطلقه الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى فى أكتوبر 2017 ويقع فى أقصى شمال غرب السعودية، ويشتمل على أراضٍ داخل الحدود المصرية والأردنية، بمساحة إجمالية تصل إلى 26,500 كم2، ويمتد 460 كم على ساحل البحر الأحمر، ومن المقرر أن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع بحلول عام 2025 وأن صندوق الاستثمارات العامة السعودى سيمول المشروع بقيمة 500 مليار دولار، بجانب عدد من المستثمرين العرب والأجانب.
مشروع نيوم، ليس انقلابا جغرافيا أو سياسيا واقتصاديا وحسب، وإنما تنمية حقيقية لسيناء، لذلك، يمكن فهم واستيعاب لماذا قررت مصر حفر أنفاق تحت قناة السويس، لربط سيناء بالوادى، من ناحية، والأهم لخدمة المشروعات الكبرى التى ستغير وجه سيناء، وسيزحف المصريون من الدلتا للتوطن وتعمير أرض الفيروز.
بالطبع، جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها، وذيولها من قيادات وأعضاء الحركات الفوضوية، ومن ينصب نفسه على أنه من النخبة مثل ممدوح حمزة والبرادعى وعصام حجى الذين ملأوا الدنيا صراخا وضجيجا عن جدوى حفر قناة سويس جديدة، وحفر أنفاق تحت القناة، أثبتوا أنهم لا يتمتعون بأى قريحة أو أفكار ذات جدوى اقتصادية كبرى، وأنهم مجرد أبواق لكتائب تنشر اليأس والإحباط وإثارة البلبلة، والتشكيك فى جدوى المشروعات الكبرى.
ونخاطب المصريين، هل أدركتم أن كل مشروع من المشروعات الكبرى، التى دشنها النظام الحالى، له هدف، ورؤية مستقبلية ثاقبة، فالأنفاق تحت القناة سيخدم حركة التنقل الكبيرة من سيناء وإليها بعد إقامة مشروع جسر الملك سلمان، ومشروع المدينة السياحية العملاقة والعابرة للحدود «نيوم» بجانب تنمية محور قناة السويس، وينطبق الأمر فى العلمين، عند تنفيذ الربط بين العلمين ودبى.
هكذا أرادت أمريكا تقسيم المنطقة، وفى القلب منها، مصر، فردت مصر بقوة، وغيرت الخريطة، بالربط بينها وبين أشقائها، خاصة دول التحالف السعودية والإمارات والبحرين.
ولك الله ثم جيش جسورا يا مصر...!!