ما زلنا نبحث عن البوصلة لنهتدى إلى المسارات الفكرية والثقافية والتعليمية لمواجهة الإرهاب والتطرف بالتوازى مع الحرب العسكرية والأمنية على خلاياه وشراذمه ومرتزقته، فالحرب على منابع الإرهاب والتطرف لم تكن ولن تكون أبدا حربا عسكرية وأمنية صرفا، ولكن إلى جانب الحرب العسكرية والأمنية هناك حرب فى مناهج ووسائل ومراحل التعليم قبل الجامعى، وحروب ثقافية وفكرية ودينية للشباب الجامعى أو فى سوق العمل، فلابد من تحصين الطلاب الصغار أولا بالمعرفة ضد أى معلومات مغلوطة أو بوادر تطرف، كأساس ضرورى تنطلق منه الحرب على مستوى تجديد الخطاب الدينى ووسائل التواصل مع الشباب، وكذلك الحرب على مستوى الإعلام والثقافة والأدب والفن، لمواجهة فيروس التطرف ووباء الإرهاب.
وفى هذا السياق، سعدت جدا على المستوى الشخصى بالتوجيه الذى صدر عن وزارة التربية والتعليم بتعميم أغنية رجال الصاعقة «قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه» فى طابور الصباح بالمدارس، وكم أثرت هذه الأغنية الحماسية البسيطة وتؤثر فى وجدان ملايين الطلاب الذين يمثلون أملنا للغد، وتربطهم بالقضية الوطنية الأبرز حاليا بسهولة وبساطة وتجلو انحيازهم ضد المتطرفين والإرهابيين أعداء الوطن، لكننا لابد أن نتساءل مع ذلك، هل يكفى أن يردد التلاميذ فى طابور الصباح أغنية رجال الصاعقة ليعرفوا الوجه الشيطانى للإرهاب والتطرف ويكتسبوا المناعة ضده؟
الإجابة قطعا بالنفى، فلابد من جرعة معرفية مكثفة وبسيطة عن مخاطر التطرف والإرهاب وسبل مواجهته مجتمعيا وأمنيا وثقافيا ودينيا، على أن تتفاوت هذه الجرعة المعرفية فى طريقة التقديم من صف إلى آخر بحسب صفوف التعليم الأساسى، المرحلة الأخطر فى تشكيل الوعى الفكرى والثقافى والتوجهات لدى الشباب، فالشباب إذا عبر المرحلة الثانوية بأمان وهو محصن بالفكر والمعرفة والفن والثقافة والإبداع ضد التطرف والإرهاب، لن نخشى عليه بقية حياته من الاندراج فى تلك العصابة الإرهابية أو ذلك التنظيم السرى.
وفى عقود وسنوات سابقة، كنا ونحن طلاب صغار ندرس منهجا يسمى «التربية القومية»، ورغم أنها لم تكن مادة تضاف درجاتها إلى المجموع الكلى، إلا أننا كنا نطالعها ونذاكرها باهتمام، لأن الرسوب فيها كان يعنى الرسوب فى جميع المواد وإعادة العام الدراسى، وكانت منهج التربية القومية فى الماضى يعزز بطرق مبسطة تناسب المراحل العمرية المختلفة، الفكر العروبى وضرورة وحدة البلاد العربية التى تجمعها عوامل كثيرة فى مقدمتها اللغة والأديان السماوية والثقافة الواحدة والمصير الواحد.
وبالفعل، أثرت فينا هذه المناهج المبسطة كثيرا ومنحتنا مناعة قوية ضد كل محاولات التفتيت والتقسيم والإنقلاب على الوطن العربى الكبير من المحيط إلى الخليج، ودعك من الكوارث التى حدثت على مدى السنوات الماضية، وأجهضت الحلم العربى الكبير بدءا من غزو العراق للكويت وانتهاء بحروب الخليج المتتالية واجتياح العراق وبروز أشباح الحروب الأهلية العربية وتفتيت الدول المتماسكة، لكن الحلم العربى الكبير مازال بداخلنا يدفعنا للمقاومة ومواجهة كل أشكال التفتيت والتقسيم والعدوان على أمتنا العربية، لأن وجداننا الجمعى وعقولنا تشبعت به فى مرحلة التكوين الأولى.
على هذا المنوال نفسه، نحتاج إلى عودة مادة التربية القومية أو التربية الوطنية أيا كان أو يكون اسمها، على أن تتضمن منهجا مبسطا حول أخطر الجماعات الإرهابية التى واجهناها عبر التاريخ القريب وانتصرنا عليها واقتلعنا جذورها، وكيف قدمت قواتنا من الجيش والشرطة التضحيات والشهداء، حتى ينعم عموم المصريين بحياتهم آمنة ومستقرة، صدقونى مثل هذه المناهج المبسطة وتدريسها للطلاب الصغار فى مرحلة التعليم الأساسى ستبنى وجدان وعقول أجيال عديدة طالعة وستكسبها المناعة ضد أى محاولة من الجماعات الإرهابية لاستقطابها حتى تعمل ضد بلدها.