حين غنى عبدالوهاب أغنية «بلاش تبوسنى فى عينيا» كان هذا فى أربعينيات القرن الماضى، وقال فى هذه الأغنية «الشفايف الحلوة ياما سقت عليل وروت عطشان»، ولم تهتز الدولة وقتها ومجلس نوابها وأزهرها العريق، لأن مطرب الأجيال غنى للقبلة، وفى ذات العقد فى الأربعينيات شدت أم كلثوم بكلمات بيرم التونسى التى يقول فيها قولى ولا تخشاش ملام حلال القبلة ولا حرام القبلة إن كانت للملهوف اللى على ورد الخد يطوف يخدها بدال الواحدة ألوف.. وأيضاً لم يتم اتهام الست بأنها خرجت عن حدود الأدب وأشاعت الرذيلة فى المجتمع المصرى.. هذا فى الماضى السحيق، ولكن فى زماننا هذا تقدم لنا السينما فيلم بعنوان بلاش تبوسنى تعبيراً عن حالة مجتمع استهواه المظهر دون الجوهر وصار الشكل أهم من المضمون، ومن المثير أن الفيلم صنفته الرقابة للكبار فقط رغم أن عنوانه بلاش تبوسنى فما بال لو كان عنوانه أرجوك من فضلك بوسنى!!
الفيلم هو الإخراج الأول لأحمد عامر وهو كاتب السيناريو أيضاً، وعامر أغلب تاريخيه الأفلام التسجيلية والوثائقية قبل أن يشارك فى كتابة سيناريوهات فيلم الشتا اللى فات، وعلى معزة وإبراهيم، لذا فقصة الفيلم متأثرة بتجربته فى الأفلام التسجيلية، فالفيلم يحكى قصة ممثلة إغراء تبدو شديدة الجهل والسطحية، فجأة تقرر أن ترفض قبلة فى فيلم بطولتها وهو العمل الأول لمخرجه الذى يصر على القبلة فى الفيلم بينما الممثلة تقرر ارتداء الحجاب ولو اتزنقت ترتدى الباروكة، لأنها تجلس مع شيخ من شيوخ الموضة الجديدة الذى يهديها للحلال كما تقول، ومع تصوير الفيلم الروائى تتداخل أحداث تصوير مخرج آخر لفيلم تسجيلى عن تاريخ القبلة فى السينما المصرية، وطوال الأحداث يحاول المخرج والمنتج إيجاد مَخرج لأزمتهم مع الممثلة لإنهاء الفيلم حتى أنهم يلجأون لممثلة كبيرة تحجبت، ومازلت تمثل لإقناعها بأداء القبلة، ولا يجدون فى النهاية من حل إلا تمثيل كل ممثل على حدة لمشهد القبلة وتركيبه.
الفيلم يتسم بروح الكوميديا والسخرية وكثير من اللمحات الضاحكة من زمن صار فيه الشكل دون الجوهر هو البطل، ولكنه يذكرنا بلقطات من أفلام زمن مضى ويمزج الروائى بالتسجيلى، هو بالتأكيد تجربة جديدة على المشاهد المصرى، لأنه لم يحكِ قدر ما كان يسجل لواقع دون أن يغوص فى سبب أو تحليل، فكأنه اكتفى بالرصد دون أن يكلف نفسه مشقة ما هو أكثر من ذلك، ولكنها بالتأكيد تجربة جديدة تستحق المشاهدة.
ياسمين رئيس بطلة الفيلم ممثلة قادرة على التلون والأداء المختلف عن كل بنات جيلها، محمد مهران فى دور المخرج ممثل جيد، ولكنه لم يجد بعد الشخصية التى تحفر نفسها فى قلب المشاهد سلوى محمد على وسوسن بدر وعايدة رياض هن الزمن الماضى، وهن القيمة فى أى فيلم ويستحقن ما هو أكثر من سطور، وربما أجمل وأكثر المشاهد بهجة هى تلك التى ضمت الراحل محمد خان وصديقه الكبير خيرى بشارة وهما يقومان بدورهما فى الحياة مخرجان كبيران وممثلان رائعان.
بعد مشاهدة الفيلم بالتأكيد ستفكر كما فكرت وستسأل نفسك كمشاهد «لما فيلم بلاش تبوسنى من غير ولا بوسة إلا قبلات أسود وأبيض أوومااال عاملينه ليه للكبار فقط؟»، وما عليك إلا أن تعود لأحداث الفيلم لتعرف الإجابة فنحن فى زمن الشكليات ومادام هناك كلمة بوسة حتى لو سبقتها كلمة بلاش إذا وجب الاستحراص!!!!!!