«يا أيها الموت الذى أراه كل ليلة، يدق باب غرفتى، وعندما أفيق، عندما أهب مثل الخوف، يكتفى بأن أحس بالترانيم، التى تجعله نشوان».. لا يختلف أحد على شاعرية عبدالمنعم رمضان ولا على تمكنه من القصيدة أو قدرته على صياغة الكلام الجميل، كما أنه يملك دائما قدرة كبيرة على إثارة الدهشة كلما قرأنا له نصا جديدا أو قديما.
فى العدد الأخير من صحيفة أخبار الأدب هالنى أن وجدت نصًا جديدًا لـ عبدالمنعم رمضان، بعنوان «أناشيد القيامة» قرأته لأول مرة لنفسى همسًا، ثم وجدتنى أعيد قراءته مرة أخرى بصوت مرتفع، ثم وجدتنى أجمع الجالسين حولى لأقرأه لهم، وقلت عودا حميدا أيها الشاعر الكبير.
الشعر هو سيد الكلام بلا منازع، ولا شىء غير القصيدة والمرأة الجميلة توحيان لك بجمالهما منذ البداية، يمنحانك أثرهما ثم يتركانك تبحث عن سرهما، وهكذا كان نص أناشيد القيامة، شعرت به قويا مترابطا يمسك بتفاصيله، ولما سألت نفسى عن أسراره وجدتها متنوعة منها المشهدية والملحمية وجمال اللغة.
«أيها الموت الذى أراه، كلما أشهد فى المرآة، بشرتى القديمة، المسنونة الحواف، والبيضاء، بشرتى الحمقاء، كلما أعرف أنها سوف تجف، أن عطرها سيختفى» من مسببات الجمال فى النص أيضا موضوعه، فرغم الخوف من الموت الذى نشترك فيه جميعا، إلا أننا لا نتجاهله، بل نحاوره بالقصيدة نصنع منه ندًا، ربما نريد أيضا أن نبهره بالصور الجميلة والتركيبات اللغوية الرشيقة والخيال، فى ظنى أن عبدالمنعم رمضان يبنى للموت جسدا كى يعرف كيف يواجهه مستخدما خياله.
«أيها الموت الذى آراه كل ليلة، أخاف أن تكون أنت حارس البستان، مثلما يشيع عنك الرب، أن تكون حارس النسيان، مثلما يشيع الناس فى بيوتهم، أخاف أن أكون صيدك القادم، قبل أن أراك نائما، على نوافذ الأيام والأحلام، دون مهنة».. يحب الناس تقليم أظافر الموت، ويعرفون أن الكلمة الجميلة هى وحدها القادرة على مواجهته والتصدى له، وعبدالمنعم رمضان يدرك ذلك ويفعله مستعينا بالبرابرة المتعبون وحكايات الجدة والأب المستسلم والنداء الحميم.
يستعد عبدالمنعم رمضان، حسب تصريحات صحفية، لإصدار ديوان جديد بعنوان «الهائم فى البرية» بعد سنوات طويلة من هجران الشعر، ونتمنى ألا يطول هذا الهجر، فالكلام الجميل عملة نادرة لا يملكها الجميع.