الحقيقة ضحية كل الأطراف
نحن أمام نموذج لحالة الفوضى والاستعمال الخاطئ للإعلام ومواقع التواصل، وضياع الحق، لا أحد ينتظر نتائج التحقيقات وتقارير الأطباء وشهادات الشهود، ويسارع بإعلان القصة من وجهة نظره، فى الإعلام وليس أمام النيابة أو القضاء، وفى واقعة «الفنانة والضابط» فى كمين الهرم سارع كل طرف بنشر وجهة نظره، مؤيدة بشهوده. الداخلية أصدرت بيانا بوجهة نظر الضباط فى اللجنة أن الفتاة كانت سكرانة واقتحمت الكمين وشتمت الضباط وأصابت بعضهم، نقابة الممثلين ودفاع الفنانة أعلنا أنها خضعت للتفتيش، وأن الضابط هو الذى استفزها واعتدى عليها وساقها إلى الحجز وسلط عليها من يهينها. وتم تسريب فيديو للفتاة وهى تسب وتشتم، ورد الدفاع أن الفيديو منتزع من سياقه.
الطبيعى أن كل هذه الأوراق والتقارير والشهود توضع أمام النيابة، ثم المحكمة، لكن ما جرى أنه تم نشر التقارير ناقصة ومبتورة تؤيد وجهة نظر هذا الطرف أو ذاك. ونفس الأمر فى التعليقات، من يعادون الشرطة يتبنون وجهة نظر الفنانة أو نقابة الممثلين، هناك طرف يدافع عن الشرطة ويعتبر الفنانة هى المخطئة، وطرف ثالث يكره الفن والفنانين والشرطة ويهاجم الفتاة باعتبارها متهمة حتى يثبت العكس.
كل طرف سارع بعرض وجهة نظره، للرأى العام فى الإعلام ومواقع التواصل. أو برامج التوك شو، وليس أمام النيابة التى سوف تتعرض لضغط من كلا الطرفين. وكل مذيع يوجه الأمر حسب مدى انحيازه. والضحية فى النهاية هى الحقيقة والقانون، المسؤولية على الجميع، وجزء منها يحمله الإعلام وبعض برامج التوك شو، التى تستضيف طرف دون آخر، بينما يفترض أن يلتزم الأطراف بجهات التحقيق، وأن يتوقف طرفا النزاع عن الإدلاء بالتصريحات. وطبعا لا يمكن أن يتم حظر النشر فى كل قضية ليتوقف الأطراف عن التشويش والخلط.
وبالمناسبة، فى الدول الديمقراطية لا يحق لأى جهة أن تنشر تفاصيل وتقارير لطرف دون آخر، وجهات التحقيق تصدر بيانات بعد انتهاء التحقيق. لكن عندنا كلنا نتحول الى مصادر وجهات تحقيق ونيابة وقضاء ونصدر الأحكام. من دون انتظار أو احترام لجهات التحقيق، ونحن هنا تعنى الجميع بوليس ومواطنين وخلافه. الأزمة تتعلق بالجميع هناك أزمة ثقة عامة، وخلط أوراق، وتوظيف لأدوات التواصل. لدرجة أن أناسا كبارا ممن يتحدثون عن المهنية يسقطون فى فخاخ التشويش ويعتمدون على شائعات أو تقارير ناقصة. كل طرف يعرض تقارير الكشف الطبى على هواه، ليدين الفتاة او الضابط. وهذه الطريقة تؤدى لخسارة الجميع، وتمثل أخطاء بسبب عدم التزام كل الأطرف بالقانون، لا الداخلية ولا المتهمة ولا الإعلام.. والضحية الحق والقانون والمواطن العادى.