هل تنهار مهنية الوكالة العريقة؟
لا خلاف على أن وكالة «رويترز» الإخبارية من أهم وأعرق وكالات الأنباء فى العالم، ولا خلاف أيضا على أنها أحد قلاع المهنية والاحترافية، وبرغم أنه لا توجد فى أى صحفية أو وكالة أنباء ما يسمى بالحياد الكامل، لكن من الصعب على المتابعين أن يظفروا بخطأ مهنى لوكالة أنباء كبيرة مثل رويترز، لكن على ما يبدو فإن بهذه الوكالة العريقة خلل هذه الأيام، خاصة فيما يتعلق القضايا المصرية، ويبرز هذا الأمر فى تناول الوكالة العريقة لقضية مقتل الباحث الإيطالى «جوليو ريجينى»، سواء فى موقعها الرئيسى أو المواقع التابعة لها، فغالبية الأخبار التى تنشرها الوكالة عن هذه القضية مجهولة المصادر، وكذلك فإن المعلومات التى تقدمها ناقصة بشكل يخل بالمعنى الكلى للقضية، وما زاد الطين بلة هو أنها أصبحت تقحم بعض الآراء غير المدعومة بأدلة فى سياق معلوماتى، وهذا كله بالطبع يؤدى إلى بناء تراكمى للمعلومات مخالفة للحقيقة أو على الأقل «يستبق الحقيقة».
قبل أن أسوق لك الأدلة على ما سبق فإنه يجب أن أشير إليك بأننى فى غاية الترقب لما ستسفر عنه التحقيقات فى هذه القضية، ولا يهمنى إن كان الذى قتل الشاب «ريجنى» هو الشرطة المصرية أم عصابات مسلحة أو حتى ملائكة السماء، فالحقيقة والحقيقة المجردة هى الغاية ولا شىء سواها، وهو الأمر الذى يغيب عن التقارير التى تنشرها «رويترز» فى هذا الشأن، وفى هذا فقد نشرت الوكالة منذ أيام تقريرا بعنوان «حصرى- طبيب شرعى مصرى: الطالب الإيطالى القتيل تعرض للاستجواب أياما وفى متن التقرير إن مصدرين «مجهولين» من النيابة العامة قالا، إن طبيبا شرعيا أبلغ المحققين أن التشريح الذى أجراه لجثة الطالب الإيطالى أظهر أنه تعرض للاستجواب لمدة سبعة أيام، ثم أعقب هذه الفقرة قولا غير منسوب إلى أحد نصه، ويعد ما كشف عنه الطبيب أقوى مؤشر حتى الآن على أن ريجينى قُتل على أيدى بعض رجال أجهزة الأمن المصرية، لأنه يشير إلى أساليب فى الاستجواب تقول جماعات حقوقية إنها طابع مميز للأجهزة الأمنية، مثل الحرق بالسجائر وعلى فترات متباعدة على مدى عدة أيام.
انتهى نص الاقتباس وفى الحقيقة فإن الواحد لا يملك إلا أن يضرب كفا على كف من هذه الفبركة المفضوحة، فأولا لم يذكر التقرير ما يفيد حول طبيعة إبلاغ هؤلاء الأطباء للنيابة «هل جاء بشكل غير رسمى أو فى محاضر رسمية؟»، ثانيا كيف لوكالة كبيرة مثل رويترز أن تقحم معلومة بالغة الخطورة بأن هذا الاستجواب مؤشر قوى على أن من قتل الطالب الإيطالى هى الشرطة المصرية بناء على الظن؟ ألا يعذب أحد أحدا فى العالم إلا الشرطة؟ ألا تقوم العصابات أحيانا بتعذيب مماثل؟ ثم ما هى الجماعات الحقوقية التى تقول إن هذا التعذيب «طابع مميز» للشرطة المصرية أم أن أسماء هذه الجماعات محظورة أيضا؟