نعيش مرحلة من زمن عجيب وتطورات مفصلية أعجب، فالحروب ليست بالشكل والأدوات المعروفة والواضحة، ولكنها تعتمد على أساليب وألاعيب حديثة لها تأثيراتها وتحقق أهدافها السياسية والاقتصادية، فهذا العصر بسماته الحديثة يرسم لوحة متغيرة لحدود الشرق الأوسط الجديد، فالسياسة ما هى إلا عبارة عن تبادل للعلاقات بين الدول، وسيستخدم الفاعلون الدوليون العديد من صلاحياتهم من أجل التأثير على عدد من الجهات الفاعلة فى المنطقة والمحافل الدولية الأخرى للتصرف بالطريقة التى تأتى لتحقق مصالحهم، سواء أتوا بأحزاب أو شخصيات أو جماعات مسلحة، المهم من يحقق مصلحة الغرب فى هذا التوقيت ويحقق الأجندات الإقليمية.
نعم، فالمعلقون فى الصحافة الأوروبية، يرون أن مجىء إدارة ترامب بشخصية مثل جون بولتون، إلى موقع مستشار الأمن القومى الأمريكى، معناه تكريس منطق القنابل بدلا من الدبلوماسية «حكومة حرب أمريكية» لذا فإن زيادة الصراع أو محاولة إشعال حرب محددة بشكل جديد تكون عربية إيرانية تشارك فيها واشنطن وتل أبيب، وخاصة فى ظل مصالحهما المتوافقة مع المخاوف العربية من طموحات إيران، أصبح مسألة وقت، لا سيما فى ظل التوتر فى العلاقات بين روسيا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وبالنظر إلى أن الروس يعارضون هكذا حرب من شأنها إفساد حساباتهم بشأن المشرق العربى، سوريا وليبيا واليمن.
إذا.. لماذا لا يدرك البعض خطورة هذه المرحلة والضرورة لتأكيد الدولة والشرعية وإظهار حالة الإرادة والوعى لهذا الشعب المصرى الأصيل والقدرة على المشاركة وحماية الأرض بالدم وبالتصويت فى الصندوق لتأكيد حق للتعبير فى استحقاق الانتخابات الرئاسية؟
نعود إلى الأسبوع الماضى لنجد أنه منذ أن أعلن التغيير لوزير خارجية الأمريكى تيلرسون ذى الخلفية المرتبطة بالصفقات التجارية النفطية واستبداله من الرئيس ترامب بأسلوب مهين عبر تغريدة من تغريداته فى مواقع التواصل الاجتماعى واختيار مايك بومبيو صاحب الخلفية المختلفة من المعلومات المخابراتية والعسكرية تحمل رسالة للجميع أن الآتى ليس بالهين وأن هناك مواقف أمريكية جديدة ستكون هى رأس حرب فى المباراة السياسية القادمة، فقد وجدنا التصعيد الدبلوماسى من دول كبرى بريطانيا وأمريكا وكندا، بالإضافة إلى 14 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبى وذلك بطرد عدد من الدبلوماسيين الروس من أراضيهم بسبب محاولة اغتيال العميل الروسى فى لندن! وهناك أيضا التصعيد العسكرى من إيران ضد السعودية من خلال الحوثيين فى اليمن بإرسال سبعة صواريخ باليستية وتصعيد آخر إرهابى من خلال عملية إرهابية فى فرنسا وأخرى فى الإسكندرية.. وطائرات حربية قطرية ترهب طيارة مدنية إماراتية وهى تحلق فى طريقها إلى البحرين! والبقية تأتى فهناك إعادة رسم للتوازنات، وسيكون ذلك على حساب دول أصبحت ضعيفة أو ممزقة وتسوية ملفات نزاع معلقة وحسم مواقف فى قضايا دولية وإقليمية، ويبقى السؤال هل ستدفع الثمن فى هذه التطورات قريبا إيران وتركيا وقطر ومن وراءهم؟ وماذا عن إسرائيل؟ وكيف ومتى ترد روسيا دبلوماسيا أو اقتصاديا أو عسكريا فى سوريا؟ وهل سيكون الرد بعد كأس العالم الذى سيكون على أرضها أم عمليات احترافية على أراضى خصومها!
هذه مرحلة مفصلية نشهدها وستستمر خلال الأيام والشهور القادمة وسينجح فى التعامل مع تحدياتها من يدرك المخطط وحافظ على مؤسساته ووضع الشعب فى خط الدفاع الأول للشرعية ويملك إرادة الاختيار، لذلك من المهم أن نضع المرحلة القادمة فى مسارها الصحيح من تنمية الوعى والتغير فى السلوك والتخفيف من الهموم اليومية ليكون قادر على تحمل المسؤولية أمام تحديات هذا الزمان.