لا يمكن الرهان على أى رد فعل من العالم فى مواجهة آلة القتل الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، الدول الكبرى مشغولة بحروبها الباردة والساخنة والتجارية، بشكل يجعل قضايا الشرق الأوسط هامشية، وتركز كل دولة على مصالحها، وتحتفظ بعقلها فى عالم يسكنه الاستقطاب والصراعات.. ارتفعت حرارة الحرب الباردة بين روسيا والمعسكر الغربى ووصلت لأعنف مراحلها مابعد انتهاء الحرب الباردة.
وسط هذا الزحام جاءت أحداث الذكرى 42 ليوم الأرض 30 مارس، وفى مواجهة دعوات إسقاط «حق العودة» تظاهر عشرات الآلاف من الفلسطينيين فى قطاع غزة فى مسيرة العودة الكبرى، وردت إسرائيل بالرصاص، واستشهد برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلى 16 فلسطينيا وجرح المئات.. دفع وزير الدفاع الإسرائيلى، أفيجدور ليبرمان، بقناصة على الحدود المشتركة مع غزة، واعتبر المسيرات استفزازًا يستلزم الرد بالرصاص.
لم تختلف ردود الفعل الإقليمية والدولية عن السابق، إدانات عربية متفرقة، وبيان شديد اللهجة من جامعة الدول العربية ضد الوحشية الإسرائيلية، ولا يتوقع ردود أفعال أبعد مما يحدث، صحيح أنه لم تكن هناك ردود أكثر، قبل عقدى الغزو والفوضى فى المنطقة العربية، ثم إن الاهتمام بالقضية الفلسطينية تراجع فى ظل انشغالات الشعوب العربية بأزماتها ومشكلاتها الداخلية، فضلا عن الانقسام الفلسطينى الداخلى الذى صنع استقطابًا إضافيًا.
هناك دول عربية خرجت من المواجهة، وانغمست فى حروب أهلية أو مواجهات مع الإرهاب، العراق وسوريا وليبيا واليمن.. والمفارقة أن العرب كانوا يدينون سياسة الشجب والإدانة فى البيانات العربية، لكن حتى الشجب لم يعد موجودًا.. والجامعة العربية هى حاصل جمع الدول العربية.. التى خرج بعضها ولم تعد حتى فى مواقف «التقاعس»، السابقة.
إسرائيل كانت الرابح الأكبر من فوضى السنوات السابقة، وتركزت أنشطة التنظيمات الإرهابية، داعش وأخواتها، على محاولات إسقاط العراق وسوريا وليبيا، ولم تتورط فى أى عمليات ضد إسرائيل، وربما تكون أسهمت فى أمن إسرائيل، عن طريق إزاحة أى تهديد ولو نظريًا من العراق أو سوريا أو ليبيا.. وربما ترى بعض الآراء أن دولا مثل العراق وسوريا وليبيا وكل الدول العربية لم تكن تمثل تهديدًا فعليًا لإسرائيل، لكن وجود الدول العربية بوضعيتها الموحدة، كانت تمثل نوعًا من التوازن، يشبه مع الفارق التوازن، الذى حكم الحرب الباردة، حيث سباق التسلح كان ردعًا متبادلا.
وبالرغم من انتهاء الحرب الباردة فعليًا بخروج الاتحاد السوفيتى
لاتزال سباقات التسلح بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى يمثل جزءًا من النقاشات والتوترات الحالية، بل إن سباق التسلح كان موضوعًا لآخر مكالمة بين الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، ونظيره الروسى، فلاديمير بوتين، فى 20 مارس الماضى.
وبالعودة إلى مايدور على الساحة الفلسطينية فإن إسرائيل لم تتردد فى إطلاق الرصاص وقتل الفلسطينيين، لتسقط أكثر من 16 شهيدًا، ومئات الجرحى، وكأنها تثق أن المنظمات الدولية، ومنها مجلس الأمن والأمم المتحدة، ليست جاهزة لاتخاذ أى قرار لمواجهة إسرائيل، لأن الدول الكبرى مشغولة بحرب باردة ارتفعت درجة حرارتها، على خلفية محاولة اغتيال الجاسوس الروسى المزدوج، سيرجى سكريبال، وتبادل طرد الدبلوماسيين بشكل يمثل تصعيدًا أولى بالاهتمام لدى الكبار.. فضلا عن حروب تجارية بدأتها أمريكا ترفع حرارة الصراع.
وكل هذا يشير بشكل واضح إلى أن «العالم» غير متفرغ وربما ليس مهتمًا باتخاذ أى خطوات تجاه إسرائيل فى عدوانها الوحشى تجاه الفلسطينيين، وتظل وحدة الفلسطينيين، وقدرتهم على مواصلة التظاهر السلمى فى مواجهة الاحتلال، أكثر المفاتيح القادرة على إبقاء القضية ساخنة وسط تجاهل دولى، وتظل وحدة الفلسطينيين هى الورقة الأهم فى مواجهة الاحتلال.. لهذا تبقى معطلة.