کان حلما بعيد المنال بالنسبة لـ تريزا ماي أن تتولى رئاسة الحكومة البريطانية. لکن أحيانا تتحقق الأحلام. بعد عدة اعتذارات داخل حزب المحافظين،
وجدت ماي نفسها أمام اللاخيارات، فقفزت على سطح الترشيحات من المرکز الأخير لقمة الهرم. تولت رئاسة الحکومة على الرغم من کونها ليست الأقوى. منذ يومها الأول بدأ عدا تنازليا للصراع على الکرسى بينها وبين وزير الخزانة فيليب هاموند. تحت مراقبة شديدة من وزير الخارجية بوريس جونسون، حيث اصطدمت بثلاثة عقبات عرقلت مسيرتها منذ يومها الأول حتي الآن، وهي: الأمن، الطلاق الأوروبى، الوضع الاقتصادى.
واجهت حکومة أيضا "ماي" أزمات أمنية هى الأسوأ منذ صراع بريطانيا مع الجيش الأحمر الأيرلندى فى سبعينيات القرن الماضى. شهدت مدينتى لندن ومانشيستر 6 عمليات إرهابية کبري راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين. ظهر واضحا للجميع أن الأجهزة الأمنية لا تعمل بالکفاءة المطلوبة، رغم الإمکانيات الضخمة، علي الرغم من توقيفها لـ 9 عمليات إرهابية آخرها محاولة اغتيال "ماى" فى ديسمبر الماضى، لکنها فشلت في السيطرة على الذئاب المنفردة التى نفذت أکثر من 15 عملية طعن ودهس بمدن عديدة داخل المملکة المتحدة. اعتبرتهم عمليات غير إرهابية.
المشکلة الثانية التى واجهت حکومة ماي، صعوبة الطلاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى، وازدياد الموقف الداخلي المناهض لعملية الانفصال، وأصبحت "ماي" في مرمى نيران معارضة مزدوجة من خارج وداخل الحزب الحاکم. بسبب اعتماد بريطانيا في جولاتها التفاوضية علي اسلوب المراوغة وعدم تقديم الحلول الايجابية کي تفعل طلب انفصالها وتخطيها کافة الاتفاقات المبرمة سابقا مع المنظومة الأوروبية، بالإضافة إلى الضعف الواضح فى شخصية "ماي" وتوددها المستمر ومغازلتها للاتحاد الأوروبى، وقبول کل الشروط المرفوضة قبل ذلك، ولکن بطرق ملتوية لم تساهم فى تقدم حقيقي فى الموقف، مما أضعف المکانة الحکومية لدى المواطن البريطانى المتعود دائما أنه فى المکان الأقوى .
ثالثا: کان الوضع الاقتصادي هو أخطر التحديات التى واجهت هذه الحکومة، بالإضافة إلى سوء الخدمات المقدمة للمواطنين بمختلف القطاعات مع زيادة مضطربة فى الأسعار وتدنى سعر الجنية الإسترلينى أمام الدولار. تقليل الخدمات المساعدة للأسر المعيلة. تضييق الخناق على المرضى تدهور الخدمات الصحية بصورة واضحة، هذا بخلاف وجود ماي بين أنياب الصقور، أمثال هاموند وجونسون، فهما يدفعانها للسقوط المستمر.
خاصة بعد العديد من التسريبات الصحفية للاجتماعات السرية داخل مجلس الوزراء وحزب المحافظين، وکذا بعض التسريبات للخطط الأمنية المحتملة لمواجهة الإرهابيين. فى سابقة هى الأولى فى تاريخ الحياة السياسية البريطانية. زادت کل هذه الأمور من حالة السخط الشعبى مدفوعة بالأحزاب المعارضة للحکومة. لدرجة تصل إلى المطالبة بإبعاد "ماي" مما وضعها فلا ورطة حقيقية اقتربت خلالها من السقوط، بعد اشتعال الموقف الداخلى بالحزب من خلال مجموعة الصقور المتابعة لتلك الانهيارات المتلاحقة داخل الحکومة. لذلك توقع الجميع أن الحکومة ستشهد تعديلا قبل نهاية العام الماضى، لکن "ماي" اختارت الوقت المناسب للتغيير. فهل ستنجح فى کبح جماح الصقور خاصة بعد الاستعانة بوزير الهجرة ليترأس حزب المحافظين، والاستعانة ببعض الوجوه الشابة من البرلمان والأحزاب الأخرى؟ هل ستعيد استنساخ التجربة الأمريکية وتضم وجوها ببشرة غير بيضاء على غير المألوف لتغازل قطاعا کبيرا من سکان المملکة فى الانتخابات العامة المقبلة فى 2022 .
وفِي الفترة التي كانت تحاول ترتيب اوراقها ومواجهة طوفان الغضب علي كل الاصعدة . جاء يوم الرابع من مارس الماضي ليكتب شهادة ميلاد حقيقية لرئيسة الحكومة حيث استغلت تريزا ماي محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرجي اسكريبال وإبنته لتنقذ نفسها واستطاعت ان تشغل الرأي العام المحلي والعالمي بهذا الاعتداء وحولت القصة لقضية أمن قومي أعادت بها التوازن داخل المجتمع ولاقت دعما غير محدود من دول العالم وتحاول استغلال الفرصة لكي تعيد الحياة مرة اخري داخل الحزب والحكومة فهل ستنجح أم بنهاية مسرحية سكريبال ستجد نفسها في مهب الريح .